للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ". (١)

وكان حرصهم الشديد - رضي الله عنهم- على أن ينتقل علمهم بالقرآن إلى حيز وواقع العمل به، وعلى أن يعيش حامل القرآن ويحيى به، وأن تظهر وتتجلى أخلاق القرآن في فعاله كلها، وهم كما كانوا كذلك قولًا وعملًا، فقد كانت وصيتهم لأهل القرآن كذلك، وفي نحو هذا المعنى يوصي

علم من أعلام الصحابة من السابقين الأولين، يوصي أهلَ القرآن بتلك الوصايا الجامعة المانعة، ألا وهو ابن مسعود (ت: ٣٢ هـ) - رضي الله عنه - حيث يقول:

"ينبغي لحاملِ القرآنِ أَنْ يُعرفَ بليلِه إذا الناسُ ينامون، وبنهارِه إذا الناسُ يُفطرون، وبحزنِهِ إذا الناس يَفرَحون، وببكائِه إذا الناسُ يَضحكون، وبِصَمتِه إذا الناسُ يَخُوضُون، وبخشوعِه إذا الناس يختالون، وينبغي لحاملِ القرآن أَنْ يكونَ مُستكينًا لَيِّنًا، ولا ينبغي له أن يكونَ جَافيًا ولا مماريًا ولا صَيّاحًا ولا صَخّابًا ولا حديدًا". (٢)

ويقول- رضي الله عنه- أيضًا:

" لا تَهُذُّوا القرآنَ هذ الشِّعْر، وتَنثروه نَثْرَ الدَّقَل، وقِفُوا عند عجائبِه، وحَرِّكوا به القلوب، ولا يكن هَمُّ أحدِكم مِن السورة آخرَها ". (٣)

لذا كان تأثير الصحابة - رضي الله عنهم- في جيل التابعين -رحمهم الله- تأثيرًا عظيمًا

فقد غرزوا في نفوسهم ما تلقوه من نبيهم-صلى الله عليه وسلم-من حب القرآن وحب العمل به وامتثال ما ورد فيه، وتدبر آياته، وإجلاله، ولننظر بعين الاعتبار والاتعاظ لكلماتِ سطرها يراع رجل هو واحد من طليعة جيل التابعين،

إنه الحسنُ بن يسار البصري -رحمه الله- (ت: ١١٠ هـ) حيث يقول في ذلك المعنى:

"إنَّ هذا القرآنَ قَرَأَه عبيدٌ وصبيانٌ لم يأخذوه مِن أوَّله، ولا عِلْمَ لهم بتأويلِه، إنَّ أَحقَّ الناسِ بهذا القرآنِ مَن رُئِي في عملِه، قال اللهُ عز وجل في كتابه: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) (ص: ٢٩) وإنَّما تَدبُّرُ آياتِه اتّباعُه بعملِه، أَمَا واللهِ ما هو بحفظِ حروفِهِ وإِضاعةِ حدودِهِ! حتى إنَّ أحدهم لَيقول: قد قَرَأْتُ القرآنَ كلَّه فما أَسْقَطتُ منه حرفًا؛ وقد واللهِ أَسقَطَه كلَّه! ما يُرَى له القرآنُ في خُلُقٍ ولا عمل! حتى إنَّ أحدَهم لَيقول: إني لأقرأُ السورةَ في نَفَسٍ واحدٍ، واللهِ


(١) - أخرجه البخاري (١٤٦١) واللفظ له، ومسلم (٩٩٨).
(٢) - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ٨/ ٣٠٥
(٣) - مختصر قيام الليل للمروزي: (ص: ١٣٢)

<<  <   >  >>