للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا شَبَّهْتَهُ بِخَلْقِهِ كُنْتَ كَافِرًا بِهِ.

قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا مَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ تَشْبِيهًا. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الطَّحَاوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ ".

[الْمَثَلُ الْأَعْلَى الْمُتَضَمِّنُ إِثْبَاتَ الْكَمَالِ هُوَ لِلَّهِ وَحْدَهُ]

وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ بِأَنَّ لَهُ الْمَثَلَ الْأَعْلَى، فَقَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: ٦٠] (النَّحْلِ: ٦٠) ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: ٢٧] (الرُّومِ: ٢٧) . فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ مَثَلَ السَّوْءِ - الْمُتَضَمِّنَ لِلْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ وَسَلْبِ الْكَمَالِ - لِأَعْدَائِهِ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْثَانِهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَثَلَ الْأَعْلَى - الْمُتَضَمِّنَ لِإِثْبَاتِ الْكَمَالِ كُلِّهِ - لِلَّهِ وَحْدَهُ. فَمَنْ سَلَبَ صِفَاتِ الْكَمَالِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ جَعَلَ لَهُ مَثَلَ السَّوْءِ، وَنَفَى عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْمَثَلِ الْأَعْلَى، وَهُوَ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ، الْمُتَضَمِّنُ لِلْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ، وَالْمَعَانِي الثُّبُوتِيَّةِ، الَّتِي كُلَّمَا كَانَتْ أَكْثَرَ فِي الْمَوْصُوفِ وَأَكْمَلَ - كَانَ بِهَا أَكْمَلَ وَأَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ.

وَلَمَّا كَانَتْ صِفَاتُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَكْثَرَ وَأَكْمَلَ، كَانَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ. بَلْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الْمَثَلِ الْأَعْلَى الْمُطْلَقِ اثْنَانِ، لِأَنَّهُمَا إِنْ تَكَافَآ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَعْلَى مِنَ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَافَآ، فَالْمَوْصُوفُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى مِثْلٌ أَوْ نَظِيرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>