الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ قَوْلِهِ: مَا زَالَ قَدِيمًا بِصِفَاتِهِ قَبْلَ خَلْقِهِ. بَلْ نَفْسُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِمْ. فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦] مَخْلُوقًا، لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا.
[فَسَادُ اسْتِدْلَالِ مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ]
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣] (الزُّخْرُفِ: ٣) ، فَمَا أَفْسَدَهُ مِنِ اسْتِدْلَالٍ! فَإِنَّ (جَعَلَ) إِذَا كَانَ بِمَعْنَى خَلَقَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: ١] (الْأَنْعَامِ: ١) ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ - وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [الأنبياء: ٣٠ - ٣١] (الْأَنْبِيَاءِ: ٣٠ - ٣١) . وَإِذَا تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَى خَلَقَ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل: ٩١] (النَّحْلِ: ٩١) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] (الْبَقَرَةِ: ٢٢٤) . وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: ٩١] (الْحِجْرِ: ٩١) وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء: ٢٩] (الْإِسْرَاءِ: ٢٩) وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الإسراء: ٣٩] (الْإِسْرَاءِ: ٣٩) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: ١٩] (الزُّخْرُفِ: ١٩) . وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. فَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣] (الزُّخْرُفِ: ٣) .
وَمَا أَفْسَدَ اسْتِدْلَالَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} [القصص: ٣٠] (الْقَصَصِ: ٣٠) . عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّجَرَةِ فَسَمِعَهُ مُوسَى مِنْهَا! وَعَمُوا عَمَّا قَبْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَمَا بَعْدَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ} [القصص: ٣٠] ، وَالنِّدَاءُ هُوَ الْكَلَامُ مِنْ بُعْدٍ، فَسَمِعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute