فَجَعَلَ الْحَسَنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَمَا جَعَلَ السَّيِّئَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي الْأَعْمَالِ، بَلْ فِي الْجَزَاءِ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: " {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} [النساء: ٧٩] " " وَمِنْ سَيِّئَةٍ "، مِثْلُ قَوْلِهِ: " {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} [النساء: ٧٨] " " {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} [النساء: ٧٨] ".
وَفَرَّقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي هِيَ النِّعَمُ، وَبَيْنَ السَّيِّئَاتِ الَّتِي هِيَ الْمَصَائِبُ، فَجَعَلَ هَذِهِ مِنَ اللَّهِ، وَهَذِهِ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ، لِأَنَّ الْحَسَنَةَ مُضَافَةٌ إِلَى اللَّهِ، إِذْ هُوَ أَحْسَنَ بِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَمَا مِنْ وَجْهٍ مِنْ أَوْجُهِهَا إِلَّا وَهُوَ يَقْتَضِي الْإِضَافَةَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا السَّيِّئَةُ، فَهُوَ إِنَّمَا يَخْلُقُهَا لِحِكْمَةٍ، وَهِيَ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْحِكْمَةِ مِنْ إِحْسَانِهِ، فَإِنَّ الرَّبَّ لَا يَفْعَلُ سَيِّئَةً قَطُّ، بَلْ فِعْلُهُ كُلُّهُ حَسَنٌ وَخَيْرٌ.
[لَا يَخْلُقُ اللَّهُ شَرًّا مَحْضًا]
وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الِاسْتِفْتَاحِ: «وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» . أَيْ: فَإِنَّكَ لَا تَخْلُقُ شَرًّا مَحْضًا، بَلْ كُلُّ مَا يَخْلُقُهُ فَفِيهِ حِكْمَةٌ، هُوَ بِاعْتِبَارِهَا خَيْرٌ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ شَرٌّ لِبَعْضِ النَّاسِ، فَهَذَا شَرٌّ جُزْئِيٌّ إِضَافِيٌّ، فَأَمَّا شَرٌّ كُلِّيٌّ، أَوْ شَرٌّ مُطْلَقٌ -: فَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْهُ. وَهَذَا هُوَ الشَّرُّ الَّذِي لَيْسَ إِلَيْهِ.
وَلِهَذَا لَا يُضَافُ الشَّرُّ إِلَيْهِ مُفْرَدًا قَطُّ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي عُمُومِ الْمَخْلُوقَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزُّمَرِ: ٦٢] {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النِّسَاءِ: ٧٨] وَإِمَّا أَنْ يُضَافَ إِلَى السَّبَبِ، كَقَوْلِهِ: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الْفَلَقِ: ٢] وَإِمَّا أَنْ يُحْذَفَ فَاعِلُهُ، كَقَوْلِ الْجِنِّ: وَأَنَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute