للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ النُّطْفَةِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، عَلِمَ بِذَلِكَ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، فَانْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ. فَإِنَّهُ إِذَا عَلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّ لَهُ رَبًّا أَوْجَدَهُ، كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَهُ؟ وَكُلَّمَا تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ ازْدَادَ يَقِينًا وَتَوْحِيدًا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، لَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَلَا إِلَهَ سِوَاهُ.

[عِلْمُ اللَّهِ أَزَلًا بِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ]

قَوْلُهُ: (وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا لَمْ يَزَلْ عَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَعَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَلَا يُزَادُ فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ فِيمَا عَلِمَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ) .

ش: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: ٧٥] (الْأَنْفَالِ: ٧٥) . {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: ٤٠] (الْأَحْزَابِ: ٤٠) . فَاللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أَزَلًا وَأَبَدًا، لَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمَهُ بِالْأَشْيَاءِ جَهَالَةٌ. {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]

[مَرْيَمَ ٦٤] . وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ رَأْسَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ [أَهْلِ] السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ. ثُمَّ قَالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى - وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى - وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: ٥ - ١٠] » (اللَّيْلِ: ٥ - ١٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>