للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ ذَلِكَ بُحُوثًا طَوِيلَةً عَرِيضَةً فِي إِمْكَانِ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ! وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْكِتَابِ يَدَّعُونَ أَنَّ الْعَقْلَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، فَيَؤُولُ الْأَمْرُ إِلَى الْحَيْرَةِ.

الْمَحْذُورُ الثَّانِي: أَنَّ الْقُلُوبَ تَنْحَلُّ عَنِ الْجَزْمِ بِشَيْءٍ تَعْتَقِدُهُ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ. إِذْ لَا يُوثَقُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْمُرَادُ، وَالتَّأْوِيلَاتُ مُضْطَرِبَةٌ، فَيَلْزَمُ عَزْلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَنِ الدَّلَالَةِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى مَا أَنْبَأَ اللَّهُ بِهِ الْعِبَادَ، وَخَاصَّةُ النَّبِيِّ هِيَ الْإِنْبَاءُ، وَالْقُرْآنُ هُوَ النَّبَأُ الْعَظِيمُ. وَلِهَذَا نَجِدُ أَهْلَ التَّأْوِيلِ إِنَّمَا يَذْكُرُونَ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِلِاعْتِضَادِ لَا لِلِاعْتِمَادِ، إِنْ وَافَقَتْ مَا ادَّعَوْا أَنَّ الْعَقْلَ دَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَالَفَتْهُ أَوَّلُوهُ! وَهَذَا فَتْحُ بَابِ الزَّنْدَقَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

[النَّفْيُ وَالتَّشْبِيهُ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ]

قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ، زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) .

ش: النَّفْيُ وَالتَّشْبِيهُ مَرَضَانِ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ، فَإِنَّ أَمْرَاضَ الْقُلُوبِ نَوْعَانِ: مَرَضُ شُبْهَةٍ، وَمَرَضُ شَهْوَةٍ، وَكِلَاهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: ٣٢] (الْأَحْزَابِ: ٣٢) . فَهَذَا مَرَضُ الشَّهْوَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة: ١٠] (الْبَقَرَةِ: ١٠) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: ١٢٥] (التَّوْبَةِ: ١٢٥) . فَهَذَا مَرَضُ الشُّبْهَةِ، وَهُوَ أَرْدَأُ مِنْ مَرَضِ الشَّهْوَةِ، إِذْ مَرَضُ الشَّهْوَةِ يُرْجَى لَهُ الشِّفَاءُ بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَمَرَضُ الشُّبْهَةِ لَا شِفَاءَ لَهُ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>