للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَأْمُرُ بِالْفِعْلِ مَنْ لَا يُرِيدُهُ، لَكِنْ لَا يَأْمُرُ بِهِ مَنْ لَوْ أَرَادَهُ لَعَجَزَ عَنْهُ. وَهَكَذَا أَمْرُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَالْإِنْسَانُ يَأْمُرُ عَبْدَهُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ الْعَبْدُ، لَكِنْ لَا يَأْمُرُهُ بِمَا يَعْجَزُ عَنْهُ الْعَبْدُ، وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَالْقُوَّةُ التَّامَّةُ، لَزِمَ وُجُودُ الْفِعْلِ. وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: الْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ - يَقُولُ: كُلُّ كَافِرٍ وَفَاسِقٍ قَدْ كُلِّفَ مَا لَا يُطِيقُ. وَمَا لَا يُطَاقُ يُفَسَّرُ بِشَيْئَيْنِ: بِمَا لَا يُطَاقُ لِلْعَجْزِ عَنْهُ، فَهَذَا لَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ أَحَدًا، وَيُفَسَّرُ بِمَا لَا يُطَاقُ لِلِاشْتِغَالِ بِضِدِّهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّكْلِيفُ، كَمَا فِي أَمْرِ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَإِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، فَلَا يَأْمُرُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْأَعْمَى بِنَقْطِ الْمَصَاحِفِ! وَيَأْمُرُهُ إِذَا كَانَ قَاعِدًا أَنْ يَقُومَ، وَيُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِالضَّرُورَةِ.

[أَفْعَالُ الْعِبَادِ]

[أَفْعَالُ الْعِبَادِ خَلْقُ اللَّهِ وَهُمْ فَاعِلُونَ لَهَا حَقِيقَةً]

قَوْلُهُ: (وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ خَلْقُ اللَّهِ وَكَسْبٌ مِنَ الْعِبَادِ) .

ش: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ الِاخْتِيَارِيَّةِ.

فَزَعَمَتِ الْجَبْرِيَّةُ وَرَئِيسُهُمُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ التِّرْمِذِيُّ: أَنَّ التَّدْبِيرَ فِي أَفْعَالِ الْخَلْقِ كُلِّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ كُلُّهَا اضْطِرَارِيَّةٌ، كَحَرَكَاتِ الْمُرْتَعِشِ، وَالْعُرُوقِ النَّابِضَةِ، وَحَرَكَاتِ الْأَشْجَارِ، وَإِضَافَتِهَا إِلَى الْخَلْقِ مَجَازٌ! وَهِيَ عَلَى حَسَبِ مَا يُضَافُ الشَّيْءُ إِلَى مَحَلِّهِ دُونَ مَا يُضَافُ إِلَى مُحَصِّلِهِ!

وَقَابَلَتْهُمُ الْمُعْتَزِلَةُ، فَقَالُوا: إِنَّ جَمِيعَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مِنْ جَمِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>