[مَا يُرْضَى مِنَ الْمَقْضِيِّ وَمَا يُسْخَطُ]
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الْكُفْرُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ أَنْ نَرْضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ، فَكَيْفَ نُنْكِرُهُ وَنَكْرَهُهُ؟ ! فَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ أَوَّلًا: نَحْنُ غَيْرُ مَأْمُورِينَ بِالرِّضَا بِكُلِّ مَا يَقْضِيهِ اللَّهُ وَيُقَدِّرُهُ، وَلَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، بَلْ مِنَ الْمَقْضِيِّ مَا يُرْضَى بِهِ، وَمِنْهُ مَا يُسْخَطُ وَيُمْقَتُ، كَمَا لَا يَرْضَى بِهِ الْقَاضِي لِأَقْضِيَتِهِ سُبْحَانَهُ، بَلْ مِنَ الْقَضَاءِ مَا يُسْخَطُ، كَمَا أَنَّ مِنَ الْأَعْيَانِ الْمَقْضِيَّةِ مَا يُغْضَبُ عَلَيْهِ وَيُمْقَتُ وَيُلْعَنُ وَيُذَمُّ.
وَيُقَالُ ثَانِيًا: هُنَا أَمْرَانِ: قَضَاءُ اللَّهِ، وَهُوَ فِعْلٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَقْضِيٌّ: وَهُوَ الْمَفْعُولُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ. فَالْقَضَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ وَعَدْلٌ وَحِكْمَةٌ، نَرْضَى بِهِ كُلِّهِ. وَالْمَقْضِيُّ قِسْمَانِ: مِنْهُ مَا يُرْضَى بِهِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُرْضَى بِهِ.
وَيُقَالُ ثَالِثًا: الْقَضَاءُ لَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَعَلُّقُهُ بِالرَّبِّ تَعَالَى وَنِسْبَتُهُ إِلَيْهِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُرْضَى بِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَعَلُّقُهُ بِالْعَبْدِ وَنِسْبَتُهُ إِلَيْهِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يُرْضَى بِهِ وَإِلَى مَا لَا يُرْضَى بِهِ. مِثَالُ ذَلِكَ: قَتْلُ النَّفْسِ، لَهُ اعْتِبَارَانِ: فَمِنْ حَيْثُ قَدَّرَهُ اللَّهُ وَقَضَاهُ وَكَتَبَهُ وَشَاءَهُ وَجَعَلَهُ أَجَلًا لِلْمَقْتُولِ وَنِهَايَةً لِعُمُرِهِ - يُرْضَى بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ صَدَرَ مِنَ الْقَاتِلِ وَبَاشَرَهُ وَكَسَبَهُ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ وَعَصَى اللَّهَ بِفِعْلِهِ - نَسْخَطُهُ وَلَا نَرْضَى بِهِ.
[الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَلَامِ فِي الْقَدَرِ ذَرِيعَةُ الْخُذْلَانِ]
وَقَوْلُهُ: وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ. إِلَى آخِرِهِ. التَّعَمُّقُ: هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي طَلَبِ الْقَدَرِ وَالْغَوْصِ فِي الْكَلَامِ فِيهِ ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ. الذَّرِيعَةُ: الْوَسِيلَةُ. وَالذَّرِيعَةُ وَالدَّرَجَةُ وَالسُّلَّمُ - مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ الْخِذْلَانُ وَالْحِرْمَانُ وَالطُّغْيَانُ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى أَيْضًا. لَكِنَّ الْخِذْلَانَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصْرِ، وَالْحِرْمَانَ فِي مُقَابَلَةِ الظَّفَرِ. وَالطُّغْيَانَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِقَامَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute