للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلنَّاسِ فِي مُسَمَّى الْإِنْسَانِ: هَلْ هُوَ الرُّوحُ فَقَطْ، أَوِ الْبَدَنُ فَقَطْ، أَوْ مَجْمُوعُهُمَا، أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا؟ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ لَهُمْ فِي كَلَامِهِ: هَلْ هُوَ اللَّفْظُ، أَوِ الْمَعْنَى فَقَطْ، أَوْ هُمَا، أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا؟ فَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي النَّاطِقِ وَنُطْقِهِ.

وَالْحَقُّ: أَنَّ الْإِنْسَانَ اسْمٌ لَهُمَا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِقَرِينِهِ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ.

[الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ جِسْمٌ مُخَالِفٌ بِالْمَاهِيَّةِ لِلْجِسْمِ الْمَحْسُوسِ]

وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَأَدِلَّةُ الْعَقْلِ: أَنَّ النَّفْسَ جِسْمٌ مُخَالِفٌ بِالْمَاهِيَّةِ لِهَذَا الْجِسْمِ الْمَحْسُوسِ، وَهُوَ جِسْمٌ نُورَانِيٌّ عُلْوِيٌّ، خَفِيفٌ حَيٌّ مُتَحَرِّكٌ، يَنْفُذُ فِي جَوْهَرِ الْأَعْضَاءِ، وَيَسْرِي فِيهَا سَرَيَانَ الْمَاءِ فِي الْوَرْدِ، وَسَرَيَانَ الدُّهْنِ فِي الزَّيْتُونِ، وَالنَّارِ فِي الْفَحْمِ. فَمَا دَامَتْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ صَالِحَةً لِقَبُولِ الْآثَارِ الْفَائِضَةِ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الْجِسْمِ اللَّطِيفِ، بَقِيَ ذَلِكَ الْجِسْمُ اللَّطِيفُ سَارِيًا فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، وَأَفَادَهَا هَذِهِ الْآثَارُ، مِنَ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ، وَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ، بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ الْأَخْلَاطِ الْغَلِيظَةِ عَلَيْهَا، وَخَرَجَتْ عَنْ قَبُولِ تِلْكَ الْآثَارِ، فَارَقَ الرُّوحُ الْبَدَنَ، وَانْفَصَلَ إِلَى عَالَمِ الْأَرْوَاحِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢] الْآيَةَ [الزُّمَرِ: ٤٢] . فَفِيهَا الْإِخْبَارُ بِتَوَفِّيهَا وَإِمْسَاكِهَا وَإِرْسَالِهَا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [الْأَنْعَامِ: ٩٣] فَفِيهَا بَسْطُ الْمَلَائِكَةِ أَيْدِيَهُمْ لِتَنَاوُلِهَا، وَوَصْفُهَا بِالْإِخْرَاجِ وَالْخُرُوجِ، وَالْإِخْبَارُ بِعَذَابِهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ مَجِيئِهَا إِلَى رَبِّهَا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعام: ٦٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>