بِأَنَّهُ مُفْتٍ، وَدَلَلْتَ عَلَيْهِ، شَهِدْتَ لَهُ بِوُجُوبِ تَقْلِيدِهِ دُونَكَ، فَمُوَافَقَتِي لَكَ فِي هَذَا الْعَلَمِ الْمُعَيَّنِ، لَا تَسْتَلْزِمُ مُوَافَقَتَكَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَخَطَؤُكُ فِيمَا خَالَفْتَ فِيهِ الْمُفْتِيَ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، لَا يَسْتَلْزِمُ خَطَأَكَ فِي عِلْمِكَ بِأَنَّهُ مُفْتٍ، هَذَا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْمُفْتِيَ قَدْ يُخْطِئُ.
وَالْعَاقِلُ يَعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ مَعْصُومٌ فِي خَبَرِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ لَهُ وَالْانْقِيَادُ لِأَمْرِهِ، وَقَدْ عَلِمْنَا بِالْاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ لِلرَّسُولِ: هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي تُلْقِيهِ عَلَيْنَا، وَالْحِكْمَةُ الَّتِي جِئْتَنَا بِهَا، قَدْ تَضَمَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً تُنَاقِضُ مَا عَلِمْنَاهُ بِعُقُولِنَا، وَنَحْنُ إِنَّمَا عِلِمْنَا صِدْقَكَ بِعُقُولِنَا، فَلَوْ قَبِلْنَا جَمِيعَ مَا تَقُولُهُ مَعَ أَنَّ عُقُولَنَا تُنَاقِضُ ذَلِكَ لَكَانَ قَدْحًا فِي مَا عَلِمْنَا بِهِ صِدْقَكَ، فَنَحْنُ نَعْتَقِدُ مُوجِبَ الْأَقْوَالِ الْمُنَاقِضَةِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ كَلَامِكَ، وَكَلَامُكَ نُعْرِضُ عَنْهُ، لَا نَتَلَقَّى مِنْهُ هَدْيًا وَلَا عِلْمًا، لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ مُؤْمِنًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَلَمْ يَرْضَ مِنْهُ الرَّسُولُ بِهَذَا، بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَوْ سَاغَ لَأَمْكَنَ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ لَا يُؤْمِنَ بِشَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، إِذِ الْعُقُولُ مُتَفَاوِتَةٌ، وَالشُّبُهَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَالشَّيَاطِينُ لَا تَزَالُ تُلْقِي الْوَسَاوِسَ فِي النُّفُوسِ، فَيُمْكِنُ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَمَا أَمَرَ بِهِ! ! وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [النور: ٥٤] (النُّورِ: ٥٤) . وَقَالَ: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النحل: ٣٥] (النَّحْلِ: ٣٥) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم: ٤] (إِبْرَاهِيمَ: ٤) . {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: ١٥] (الْمَائِدَةِ: ١٥) . {حم - وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الدخان: ١ - ٢] (الدُّخَانِ: ١ - ٢، وَالزُّخْرُفِ: ١ - ٢٢) . {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: ١] (يُوسُفَ: ٢) . {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: ١١١] (يُوسُفَ: ١١١) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute