الْكَعْبَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَالذِّكْرِ وَالذَّبْحِ، وَكَمَا يُوَجَّهُ الْمُحْتَضَرُ وَالْمَدْفُونُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ وُجْهَةً. وَالِاسْتِقْبَالُ خِلَافُ الِاسْتِدْبَارِ، فَالِاسْتِقْبَالُ بِالْوَجْهِ، وَالِاسْتِدْبَارُ بِالدُّبُرِ، فَأَمَّا مَا حَاذَاهُ الْإِنْسَانُ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ جَنْبِهِ فَهَذَا لَا يُسَمَّى قِبْلَةً، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، فَلَوْ كَانَتِ السَّمَاءُ قِبْلَةَ الدُّعَاءِ لَكَانَ الْمَشْرُوعُ أَنْ يُوَجِّهَ الدَّاعِي وَجْهَهُ إِلَيْهَا، وَهَذَا لَمْ يُشْرَعْ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي تُرْفَعُ الْيَدُ إِلَيْهِ لَا يُسَمَّى قِبْلَةً، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَلِأَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الدُّعَاءِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ تُتَّبَعُ فِيهِ الشَّرَائِعُ، وَلَمْ تَأْمُرِ الرُّسُلُ أَنَّ الدَّاعِيَ يَسْتَقْبِلُ السَّمَاءَ بِوَجْهِهِ، بَلْ نَهَوْا عَنْ ذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّوَجُّهَ بِالْقَلْبِ، وَاللَّجْأُ وَالطَّلَبُ الَّذِي يَجِدُهُ الدَّاعِي مِنْ نَفْسِهِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ، يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ، وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضْطَرُّ وَالْمُسْتَغِيثُ بِاللَّهِ، كَمَا فُطِرَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ يَدْعُو اللَّهَ، مَعَ أَنَّ أَمْرَ الْقِبْلَةِ مِمَّا يَقْبَلُ النَّسْخَ وَالتَّحْوِيلَ، كَمَا تَحَوَّلَتِ الْقِبْلَةُ مِنَ الصَّخْرَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ.
وَأَمْرُ التَّوَجُّهِ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْجِهَةِ الْعُلْوِيَّةِ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطَرِ، وَالْمُسْتَقْبِلُ لِلْكَعْبَةِ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ هُنَاكَ، بِخِلَافِ الدَّاعِي، فَإِنَّهُ يَتَوَجَّهُ إِلَى رَبِّهِ وَخَالِقِهِ، وَيَرْجُو الرَّحْمَةَ أَنْ تَنْزِلَ مِنْ عِنْدِهِ.
وَأَمَّا النَّقْضُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ فَمَا أَفْسَدَهُ مِنْ نَقْضٍ، فَإِنَّ وَاضِعَ الْجَبْهَةِ إِنَّمَا قَصْدُهُ الْخُضُوعُ لِمَنْ فَوْقَهُ بِالذُّلِّ لَهُ، لَا بِأَنْ يَمِيلَ إِلَيْهِ إِذْ هُوَ تَحْتَهُ! هَذَا لَا يَخْطُرُ فِي قَلْبِ سَاجِدٍ. لَكِنْ يُحْكَى عَنْ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute