للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ، - وَهِيَ: أَنَّ الْفَاضِلَ لَا يَسْجُدُ لِلْمَفْضُولِ -: فَبَاطِلَةٌ، فَإِنَّ السُّجُودَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ، وَلَوْ أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَنْ يَسْجُدُوا لِحَجَرٍ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الِامْتِثَالُ وَالْمُبَادَرَةُ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَسْجُودَ لَهُ أَفْضَلُ مِنَ السَّاجِدِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَكْرِيمُهُ وَتَعْظِيمُهُ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ. قَالُوا: وَقَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ: {هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الْإِسْرَاءِ: ٦٢] بَعْدَ طَرْدِهِ لِامْتِنَاعِهِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ، لَا قَبْلَهُ، فَيَنْتَفِي الِاسْتِدْلَالُ بِهِ.

وَمِنْهُ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَهُمْ عُقُولٌ وَلَيْسَتْ لَهُمْ شَهَوَاتٌ، وَالْأَنْبِيَاءُ لَهُمْ عُقُولٌ وَشَهَوَاتٌ، فَلَمَّا نَهَوْا أَنْفُسَهُمْ عَنِ الْهَوَى، وَمَنَعُوهَا عَمَّا تَمِيلُ إِلَيْهِ الطِّبَاعُ، كَانُوا بِذَلِكَ أَفْضَلَ.

وَقَالَ الْآخِرُونَ: يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ مُدَاوَمَةِ الطَّاعَةِ وَتَحَمُّلِ الْعِبَادَةِ وَتَرْكِ الْوَنَى وَالْفُتُورِ فِيهَا مَا يَفِي بِتَجَنُّبِ الْأَنْبِيَاءِ شَهَوَاتِهِمْ، مَعَ طُولِ مُدَّةِ عِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ.

وَمِنْهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ رُسُلًا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَسُفَرَاءَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. وَهَذَا الْكَلَامُ قَدِ اعْتَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ، وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِهِ أَقْوَى، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْمُرْسَلِينَ، إِنْ ثَبَتَ تَفْضِيلُهُمْ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ بِالرِّسَالَةِ، ثَبَتَ تَفْضِيلُ الرُّسُلِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَيْهِمْ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الرَّسُولَ الْمَلَكِيَّ يَكُونُ رَسُولًا إِلَى الرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ.

وَمِنْهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: " {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: ٣١] الْآيَاتِ [الْبَقَرَةِ: ٣١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>