قَالَ الْأَوَّلُونَ: إِنَّ هَذَا إِنَّمَا كَانَ لِمَا هُوَ مَرْكُوزٌ فِي النُّفُوسِ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ خَلْقٌ جَمِيلٌ عَظِيمٌ، مُقْتَدِرٌ عَلَى الْأَفْعَالِ الْهَائِلَةِ، خُصُوصًا الْعَرَبَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الْعَظَمَةِ بِحَيْثُ قَالُوا إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: ٣٣] .
قَالَ الْآخِرُونَ: قَدْ يُذْكَرُ الْعَالَمُونَ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْعُمُومُ الْمُطْلَقُ، بَلْ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِحَسَبِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الْفُرْقَانِ: ١] . {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الْحِجْرِ: ٧٠] . {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشُّعَرَاءِ: ١٦٥] . {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدُّخَانِ: ٣٢] .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [الْبَيِّنَةِ: ٧] . وَالْبَرِيَّةُ: مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْبَرْءِ، بِمَعْنَى الْخَلْقِ، فَثَبَتَ أَنَّ صَالِحِي الْبَشَرِ خَيْرُ الْخَلْقِ.
قَالَ الْآخِرُونَ: إِنَّمَا صَارُوا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ لِكَوْنِهِمْ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَالْمَلَائِكَةُ فِي هَذَا الْوَصْفِ أَكْمَلُ، فَإِنَّهُمْ لَا يَسْأَمُونَ وَلَا يَفْتُرُونَ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ. هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ " الْبَرِيئَةِ "، بِالْهَمْزِ وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ، إِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا مُخَفَّفَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute