يَكُونُ سَبَبًا لِغُفْرَانِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ إِلَّا التَّوْبَةَ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزُّمَرِ: ٥٣] وَهَذَا لِمَنْ تَابَ، وَلِهَذَا قَالَ: {لَا تَقْنَطُوا} [الزمر: ٥٣] وَقَالَ بَعْدَهَا: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر: ٥٤] الْآيَةَ [الزُّمَرِ: ٥٤] .
السَّبَبُ الثَّانِي: الِاسْتِغْفَارُ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الْأَنْفَالِ: ٣٣] . لَكِنَّ الِاسْتِغْفَارَ تَارَةً يُذْكَرُ وَحْدَهُ، وَتَارَةً يُقْرَنُ بِالتَّوْبَةِ، فَإِنْ ذُكِرَ وَحْدَهُ دَخَلَ مَعَهُ التَّوْبَةُ، كَمَا إِذَا ذُكِرَتِ التَّوْبَةُ وَحْدَهَا شَمَلَتْ الِاسْتِغْفَارَ. فَالتَّوْبَةُ تَتَضَمَّنُ الِاسْتِغْفَارَ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَتَضَمَّنُ التَّوْبَةَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْآخَرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا عِنْدُ اقْتِرَانِ إِحْدَى اللَّفْظَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، فَالِاسْتِغْفَارُ: طَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ مَا مَضَى، وَالتَّوْبَةُ: الرُّجُوعُ وَطَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ مَا يَخَافُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِ. وَنَظِيرُ هَذَا: الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ، إِذَا ذُكِرَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ شَمِلَ الْآخَرَ، وَإِذَا ذُكِرَا مَعًا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنًى. قَالَ تَعَالَى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [الْمَائِدَةِ: ٨٩] . {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [الْمُجَادَلَةِ: ٤] . {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: ٢٧١] . لَا خِلَافَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْمَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لَمَّا أُفْرِدَ شَمِلَ الْمُقِلَّ وَالْمُعْدِمَ، وَلَمَّا قُرِنَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ [التَّوْبَةِ: ٦٠]-: كَانَ الْمُرَادُ بِأَحَدِهِمَا الْمُقِلَّ، وَالْآخَرِ الْمُعْدِمَ، عَلَى خِلَافٍ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute