إِبْلِيسَ عَارِفٌ بِرَبِّهِ، {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الْحِجْرِ: ٣٦] . {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [لُقْمَانَ: ٢٥] . {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٥]
[الْمُؤْمِنُونَ: ٨٤ - ٨٥] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَكَأَنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ الْمَعْرِفَةَ الْكَامِلَةَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِلِاهْتِدَاءِ، الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا أَهْلُ الطَّرِيقَةِ، وَحَاشَا أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ، بَلْ هُمْ سَادَةُ النَّاسِ وَخَاصَّتُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: وَهُمْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ وَحُكْمِهِ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ بِفَضْلِهِ، إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ - فَصَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الشِّرْكَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الشِّرْكَ غَيْرُ مَغْفُورٍ، وَعَلَّقَ غُفْرَانَ مَا دُونَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْجَائِزُ يُعَلَّقُ بِالْمَشِيئَةِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ، وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ سَوَاءً لَمَا كَانَ لِلتَّفْصِيلِ مَعْنًى. وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ هَذَا الْغُفْرَانَ بِالْمَشِيئَةِ، وَغُفْرَانُ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مَقْطُوعٌ بِهِ، غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزُّمَرِ: ٥٣] . فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْغُفْرَانُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَشِيئَةِ هُوَ غُفْرَانَ الذُّنُوبِ سِوَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute