للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[يس: ٨٠] . فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِإِخْرَاجِ هَذَا الْعُنْصُرِ، الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ، مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ الْمُمْتَلِئِ بِالرُّطُوبَةِ وَالْبُرُودَةِ، فَالَّذِي يُخْرِجُ الشَّيْءَ مِنْ ضِدِّهِ، وَتَنْقَادُ لَهُ مَوَادُّ الْمَخْلُوقَاتِ وَعَنَاصِرُهَا، وَلَا تَسْتَعْصِي عَلَيْهِ، هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا أَنْكَرَهُ الْمُلْحِدُ وَدَفَعَهُ، مِنْ إِحْيَاءِ الْعِظَامِ وَهِيَ رَمِيمٌ.

ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِأَخْذِ الدِّلَالَةِ مِنَ الشَّيْءِ الْأَجَلِّ الْأَعْظَمِ، عَلَى الْأَيْسَرِ الْأَصْغَرِ، فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ فَهُوَ عَلَى مَا دُونَهُ بِكَثِيرٍ أَقْدَرُ وَأَقْدَرُ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى حَمْلِ قِنْطَارٍ فَهُوَ عَلَى حَمْلِ أُوقِيَّةٍ أَشَدُّ اقْتِدَارًا، فَقَالَ: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: ٨١] فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي أَبْدَعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، عَلَى جَلَالَتِهِمَا، وَعِظَمِ شَأْنِهِمَا، وَكِبَرِ أَجْسَامِهِمَا، وَسَعَتِهِمَا، وَعَجِيبِ خَلْقِهِمَا، أَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ عِظَامًا قَدْ صَارَتْ رَمِيمًا، فَيَرُدَّهَا إِلَى حَالَتِهَا الْأُولَى. كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غَافِرٍ: ٥٧] . وَقَالَ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الْأَحْقَافِ: ٣٣] . ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ بِبَيَانٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِعْلُهُ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ، الَّذِي يَفْعَلُ بِالْآلَاتِ وَالْكُلْفَةِ، وَالتَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْفِعْلِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>