للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى نَفْسِهِ، وَأَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ خِلَافَهُ. وَأَمَّا إِذَا مَنَعَ غَيْرَهُ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ، بَلْ هُوَ مَحْضُ فَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ عَلَيْهِ - لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا بِمَنْعِهِ، فَمَنْعُ الْحَقِّ ظُلْمٌ، وَمَنْعُ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ عَدْلٌ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْعَدْلُ فِي مَنْعِهِ، كَمَا هُوَ الْمُحْسِنُ الْمَنَّانُ بِعَطَائِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْعَطَاءُ وَالتَّوْفِيقُ إِحْسَانًا وَرَحْمَةً، فَهَلَّا كَانَ الْعَمَلُ لَهُ وَالْغَلَبَةُ، كَمَا أَنَّ رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ؟

قِيلَ: الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى هَذَا الْمَنْعِ، وَالْمَنْعَ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْعُقُوبَةِ - لَيْسَ بِظُلْمٍ، بَلْ هُوَ مَحْضُ الْعَدْلِ.

وَهَذَا سُؤَالٌ عَنِ الْحِكْمَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ تَقْدِيمَ الْعَدْلِ عَلَى الْفَضْلِ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ؟ وَهَلَّا سَوَّى بَيْنَ الْعِبَادِ فِي الْفَضْلِ؟ وَهَذَا السُّؤَالُ حَاصِلُهُ: لِمَ تَفَضَّلَ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَتَفَضَّلْ عَلَى الْآخَرِ؟ وَقَدْ تَوَلَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْجَوَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْحَدِيدِ: ٢١] . وَقَوْلِهِ: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْحَدِيدِ: ٢٩] . وَلَمَّا سَأَلَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَنْ تَخْصِيصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَجْرَيْنِ وَإِعْطَائِهِمْ هُمْ أَجْرًا أَجْرًا، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ وَلَيْسَ فِي الْحِكْمَةِ إِطْلَاعُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>