وَكَذَا لَا يَلْزَمُ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [الْبَقَرَةِ: ٢٨٦] لِأَنَّ تَحْمِيلَ مَا لَا يُطَاقُ لَيْسَ تَكْلِيفًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُحَمِّلَهُ جَبَلًا لَا يُطِيقُهُ فَيَمُوتَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: أَيْ لَا تُحَمِّلْنَا مَا يَثْقُلُ عَلَيْنَا أَدَاؤُهُ وَإِنْ كُنَّا مُطِيقِينَ لَهُ عَلَى تَجَشُّمٍ وَتَحَمُّلٍ مَكْرُوهٍ، قَالَ: فَخَاطَبَ الْعَرَبَ عَلَى حَسَبِ مَا تَعْقِلُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَقُولُ لِلرَّجُلِ يُبْغِضُهُ: مَا أُطِيقُ النَّظَرَ إِلَيْكَ، وَهُوَ مُطِيقٌ لِذَلِكَ، لَكِنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ. وَلَا يَجُوزُ فِي الْحِكْمَةِ أَنْ يُكَلِّفَهُ بِحَمْلِ جَبَلٍ بِحَيْثُ لَوْ فَعَلَ يُثَابُ وَلَوِ امْتَنَعَ يُعَاقَبُ، كَمَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَجُوزُ تَكْلِيفُ الْمُمْتَنَعِ عَادَةً، دُونَ الْمُمْتَنَعِ لِذَاتِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ وَجُودُهُ، فَلَا يُعْقَلُ الْأَمْرُ بِهِ، بِخِلَافِ هَذَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا لَا يُطَاقُ لِلْعَجْزِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ، بِخِلَافِ مَا لَا يُطَاقُ لِلِاشْتِغَالِ بِضِدِّهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ. وَهَؤُلَاءِ مُوَافِقُونَ لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي الْمَعْنَى، لَكِنَّ كَوْنَهُمْ جَعَلُوا مَا يَتْرُكُهُ الْعَبْدُ لَا يُطَاقُ لِكَوْنِهِ تَارِكًا لَهُ مُشْتَغِلًا بِضِدِّهِ - بِدْعَةٌ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ. فَإِنَّ مَضْمُونَهُ أَنَّ فِعْلَ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ لَا يُطِيقُهُ! .
وَهُمُ الْتَزَمُوا هَذَا، لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الطَّاقَةَ - الَّتِي هِيَ الِاسْتِطَاعَةُ وَهِيَ الْقُدْرَةُ - لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ! فَقَالُوا: كُلُّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا، فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute