للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُ مَا يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ هُوَ فِي الْمَعْنَى الْقَوْلُ الْآخَرُ، لَكِنِ الْعِبَارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، كَمَا قَدْ يَخْتَلِفُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَلْفَاظِ الْحُدُودِ، وَصِيَغِ الْأَدِلَّةِ، وَالتَّعْبِيرِ عَنِ الْمُسَمَّيَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. ثُمَّ الْجَهْلُ أَوِ الظُّلْمُ يَحْمِلُ عَلَى حَمْدِ إِحْدَى الْمَقَالَتَيْنِ وَذَمِّ الْأُخْرَى وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى قَائِلِهَا! وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُ التَّضَادِّ، فَهُوَ الْقَوْلَانِ الْمُتَنَافِيَانِ، إِمَّا فِي الْأُصُولِ، وَإِمَّا فِي الْفُرُوعِ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ. وَالْخَطْبُ فِي هَذَا أَشَدُّ، لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ يَتَنَافَيَانِ، لَكِنْ نَجِدُ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ يَكُونُ الْقَوْلُ الْبَاطِلُ الَّذِي مَعَ مُنَازِعِهِ فِيهِ حَقٌّ مَا، أَوْ مَعَهُ دَلِيلٌ يَقْتَضِي حَقًّا مَا، فَيَرُدُّ الْحَقَّ مَعَ الْبَاطِلِ، حَتَّى يَبْقَى هَذَا مُبْطِلًا فِي الْبَعْضِ، كَمَا كَانَ الْأَوَّلُ مُبْطِلًا فِي الْأَصْلِ، وَهَذَا يَجْرِي كَثِيرًا لِأَهْلِ السُّنَّةِ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدْعَةِ، فَالْأَمْرُ فِيهِمْ ظَاهِرٌ. وَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ هِدَايَةً وَنُورًا رَأَى مِنْ هَذَا مَا يُبَيِّنُ لَهُ مَنْفَعَةَ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْقُلُوبُ الصَّحِيحَةُ تُنْكِرُ هَذَا، لَكِنْ نُورٌ عَلَى نُورٍ.

وَالِاخْتِلَافُ الْأَوَّلُ، الَّذِي هُوَ اخْتِلَافُ التَّنَوُّعِ، الذَّمُّ فِيهِ وَاقِعٌ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَى الْآخَرِ فِيهِ. وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى حَمْدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، إِذَا لَمْ يَحْصُلُ بَغْيٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>