عَذَّبَهُمْ بِعَدْلِهِ، وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَصْلُحُ لَهُمْ غَيْرُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَأَنَّ حَمْدَهُ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَهُمْ تِلْكَ الدَّارَ، فَقَامَ بِقُلُوبِهِمْ حَمْدُهُ وَشُكْرُهُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِمُوجِبِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي كَانَتْ فِي فِطَرِهِمْ أَوَّلًا، وَحَمِدُوهُ حَمْدَ مُحِبٍّ مُعْتَرِفٍ بِالْجِنَايَةِ، وَآثَرُوا رِضَاهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَلَوْ قَامَ هَذَا بِقُلُوبِهِمْ حَقِيقَةً وَعَلِمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ لَصَارَتِ النَّارُ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَيْهِمْ.
كَمَا فِي الْأَثَرِ الْمَرْفُوعِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ " «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ دَخَلَا النَّارَ اشْتَدَّ صِيَاحُهُمَا، فَقَالَ تَعَالَى: أَخْرِجُوهُمَا فَأُخْرِجَا، فَقَالَ: لِأَيِّ شَيْءٍ اشْتَدَّ صِيَاحُكُمَا؟ قَالَا: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَرْحَمَنَا، قَالَ: رَحْمَتِي بِكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَيَنْطَلِقَانِ فَيُلْقِي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فِيهَا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَيْهِ، وَيَقُومُ الْآخَرُ فَلَا يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ كَمَا أَلْقَى صَاحِبُكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ إِنِّي أَرْجُو أَلَّا تُعِيدَنِي فِيهَا بَعْدَمَا أَخْرَجْتَنِي، فَيَقُولُ الرَّبُّ: لَكَ رَجَاؤُكَ، فَيَدْخُلَانِ جَمِيعًا الْجَنَّةَ» .
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَيْضًا حَدِيثًا آخَرَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «يُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِ رَجُلَيْنِ مِنَ النَّارِ، فَإِذَا أُخْرِجَا وَقَفَا، قَالَ اللَّهُ لَهُمَا: كَيْفَ وَجَدْتُمَا مَقِيلَكُمَا وَسُوءَ مَصِيرِكُمَا؟ فَيَقُولَانِ: شَرَّ مَقِيلٍ وَأَسْوَأَ مَصِيرٍ سَارَ إِلَيْهِ الْعِبَادُ، فَيَقُولُ لَهُمَا: بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمَا وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، قَالَ: فَيَأْمُرُ بِصَرْفِهِمَا إِلَى النَّارِ، قَالَ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَعْدُو فِي أَغْلَالِهِ وَسَلَاسِلِهِ حَتَّى يَقْتَحِمَهَا، وَأَمَّا الْآخَرُ فَتَلَكَّأَ، فَيُؤْمَرُ بِرَدِّهِمَا، فَيَقُولُ لِلَّذِي عَدَا فِي أَغْلَالِهِ وَسَلَاسِلِهِ حَتَّى اقْتَحَمَهَا: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ وَقَدْ خُبِّرْتَهَا؟ فَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ خُبِّرْتُ مِنْ وَبَالِ الْمَعْصِيَةِ مَا لَمْ أَكُنْ لِأَتَعَرَّضَ لِسُخْطِكَ ثَانِيَةً، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلثَّانِي: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: حُسْنُ ظَنِّي بِكَ حِينَ أَخْرَجْتَنِي أَنْ لَا تَرُدَّنِي إِلَيْهَا، فَرَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ بِهِمَا إِلَى الْجَنَّةِ» ".
وَفِي رِوَايَةٍ: " إِنَّهُ يَقُولُ لِلْأَوَّلِ: «لَوْ حَذِرْتَنِي مِثْلَ حَذَرِكَ فِي الْآخِرَةِ لَمْ أُدْخِلْكَ النَّارَ» ، وَيَقُولُ لِلْآخَرِ: «لَوْ أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِي فِي الدُّنْيَا مِثْلَ حُسْنِ ظَنِّكَ بِيَ الْيَوْمَ مَا أَدْخَلْتُكَ النَّارَ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute