للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَكَانَ ذَلِكَ إِمَّا قِيَاسًا، إِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى وَصْفِ ثُبُوتِيٍّ مُشْتَرِكٍ بَيْنَ صُورَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَصُورَةِ الْإِلْحَاقِ، وَإِمَّا اخْتِرَاعًا، إِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى ذَلِكَ، فَأَجَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ النَّقْلَ بِأَنْ قَالُوا: الْعَلَاقَةُ مُصَحِّحَةٌ لِلتَّجَوُّزِ، كَرَفْعِ الْفَاعِلِ وَنَصْبِ الْمَفْعُولِ، فَإِنَّا لَمَّا اسْتَقْرَأْنَا لُغَتَهُمْ وَجَدْنَاهُمْ يَرْفَعُونَ مَا نَطَقُوا بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَفْعُولِينَ عَلِمْنَا أَنَّ سَبَبَ الرَّفْعِ هُوَ الْفَاعِلِيَّةُ وَسَبَبَ النَّصْبِ هُوَ الْمَفْعُولِيَّةُ، فَهَكَذَا اسْتِقْرَاءُ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِطْلَاقُهُمْ كُلَّ ضِدٍّ عَلَى ضِدِّهِ، وَكُلَّ لَازِمٍ عَلَى لَازِمِهِ.

وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ أَفْسَدِ الْأَجْوِبَةِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ لُغَتِهِمْ رَفْعَ كُلِّ فَاعِلٍ وَنَصْبَ كُلِّ مَفْعُولٍ، وَجَرَّ كُلِّ مُضَافٍ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ صُورَةٌ مِنَ الصُّوَرِ، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ ذَلِكَ بِنَقْلِ تَوَاتُرٍ وَلَا آحَادٍ وَلَا اسْتِقْرَاءٍ يُفِيدُ عِلْمًا وَلَا ظَنًّا وَلَا اطِّرَادَ اسْتِعْمَالٍ، فَقِيَاسُ التَّجَوُّزِ بِكُلِّ ضِدٍّ عَلَى ضِدِّهِ، وَبِكُلِّ مَلْزُومٍ عَلَى مَلْزُومِهِ عَلَى رَفْعِ الْفَاعِلِ وَنَصْبِ الْمَفْعُولِ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُمْ قَالُوا: يُعْرَفُ الْمَجَازُ بِصِحَّةِ نَفْيِهِ، أَيْ إِذَا صَحَّ نَفْيُهُ عَمَّا أُطْلِقَ عَلَيْهِ كَانَ مَجَازًا، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: فُلَانٌ بَحْرٌ وَأَسَدٌ وَشَمْسٌ، وَحِمَارٌ وَكَلْبٌ وَمَيِّتٌ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُنْفَى عَمَّا أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظًا، فَلَا يُقَالُ لِلْحِمَارِ وَالْأَسَدِ وَالْبَحْرِ وَالشَّمْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا، وَقَدِ اعْتَرَفُوا هُمْ بِبُطْلَانِهِ فَقَالُوا: هَذَا فَرْقٌ يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ، وَذَلِكَ أَنَّ صِحَّةَ النَّفْيِ وَامْتِنَاعَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَلَوْ عَرَفْنَاهُمَا بِصِحَّةِ النَّفْيِ وَامْتِنَاعِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ.

الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْحَقَائِقِ يَصِحُّ إِطْلَاقُ النَّفْيِ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ فَائِدَتِهِمَا، وَلَيْسَتْ مَجَازًا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكُهَّانِ " «لَيْسُوا بِشَيْءٍ» "، وَمِنْ هَذَا سَلْبُ الْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعَقْلِ عَنِ الْكُفَّارِ، وَمِنْ هَذَا سَلْبُ الْإِيمَانِ عَمَّنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَسَلْبُهُ عَنِ الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَالشَّارِبِ الْخَمْرَ وَالْمُنْتَهِبِ، وَسَلْبُ الصَّلَاةِ عَنِ الْفَذِّ خَلْفَ الصَّفِّ، وَسَلْبُ الصَّلَاةِ عَمَّنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ فِي صَلَاتِهِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْحَقَائِقَ ثَابِتَةٌ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا السَّلْبُ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ» " وَ " «لَيْسَ

<<  <   >  >>