للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إِلَّا وَبَيْنَهُمَا عَلَاقَةٌ مِنْ هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ، فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطِ النَّقْلُ فِي آحَادِ الصُّوَرِ وَاكْتُفِيَ بِنَوْعِ الْعَلَاقَةِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ التَّجَوُّزِ بِإِطْلَاقِ كُلِّ لَازِمٍ عَلَى لَازِمِهِ، وَكُلِّ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومِهِ، وَكُلِّ ضِدٍّ عَلَى ضِدِّهِ، وَكُلِّ مُجَاوِرٍ عَلَى مُجَاوِرِهِ، وَكُلِّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى صِفَةٍ، ثُمَّ فَاقَهَا عَلَى مَا اتُّصِفَ بِهَا، وَكُلِّ مُشَبَّهٍ عَلَى مُشَبَّهِهِ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْخَبْطِ وَفَسَادِ اللُّغَاتِ وَبُطْلَانِ التَّفَاهُمِ وَوُقُوعِ اللَّبْسِ وَالتَّلْبِيسِ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَمَصَالِحُ الْآدَمِيِّينَ، فَيَجُوزُ تَسْمِيَةُ اللَّيْلِ نَهَارًا وَالنَّهَارِ لَيْلًا، وَالْمُؤْمِنِ كَافِرًا وَالْكَافِرِ مُؤْمِنًا، وَالصَّادِقِ كَاذِبًا وَالْكَاذِبِ صَادِقًا، وَالْمِسْكِ نَتِنًا وَالنَّتِنِ مِسْكًا، وَالْبَوْلِ طَعَامًا وَالطَّعَامِ بَوْلًا، وَتَسْمِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ بِاسْمِ ضِدِّهِ وَمُجَاوَرِهِ وَمُشَابِهِهِ وَلَازِمِهِ، فَهَلْ يَقُولُ هَذَا أَحَدٌ مِنْ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ؟ وَهَلْ فِي الْعَالَمِ قَوْلٌ أَفْسَدُ مِنْ قَوْلٍ هَذَا لَازِمُهُ؟ .

وَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ وَعَرَفُوا أَنَّهُ وَارِدٌ لَا مَحَالَةَ قَالُوا: الْمَانِعُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْلَا الْمَانِعُ لَقُلْنَا بِهِ، فَيُقَالُ: يَا لَلَّهِ الْعَجَبَ، مَا أَسْهَلَ الدَّعْوَى الَّتِي لَا حَقِيقَةَ لَهَا عَلَيْكُمْ، أَلَيْسَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِضَافَةَ الْحُكْمِ إِلَى الْمَانِعِ يَسْتَلْزِمُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا قِيَامُ الْمُقْتَضِي وَالْآخَرُ إِثْبَاتُ الْمَانِعِ، فَقَدْ سَلَّمْتُمْ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّجَوُّزِ الْمَذْكُورِ مَوْجُودٌ، وَادَّعَيْتُمْ عَلَى الْعَرَبِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ عِنْدَهُمْ مُقْتَضِيَةٌ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الضِّدِّ عَلَى ضِدِّهِ، وَاللَّازِمِ عَلَى مَلْزُومِهِ وَالْمُجَاوِرِ عَلَى مُجَاوَرِهِ، ثُمَّ ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوكُمْ مِنْ هَذَا التَّجَوُّزِ فِيمَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْمُقْتَضَى وَهَذَا الْمَانِعِ، وَأَيْنَ قَالُوا لَكُمْ: أَبَحْنَا لَكُمْ إِطْلَاقَ هَذِهِ الْأَضْدَادِ الْخَاصَّةِ عَلَى أَضْدَادِهَا، وَهَذِهِ اللَّوَازِمِ عَلَى مَلْزُومَاتِهَا وَحَرَّمْنَا عَلَيْكُمْ مَا عَدَاهَا، وَهَلْ مَعَكُمْ غَيْرُ الِاسْتِعْمَالِ الثَّابِتِ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ لَا يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ بِوَضْعِهِمْ وَعُرْفِهِمْ مِنْ خِطَابِهِمْ، فَمَا لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ وَمَا لَمْ يَتَفَاهَمُوهُ مِنْ مُخَاطَبَاتِهِمْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لُغَتِهِمْ، وَمَا فَهِمُوهُ وَاسْتَعْمَلُوهُ هُوَ مِنْ لُغَتِهِمْ، وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ إِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَى عَدَمِ مُقْتَضِيهِ وَإِضَافَتِهِ إِلَى وُجُودِ مَانِعِهِ تَعَيَّنَتْ حَوَالَتُهُ عَلَى عَدَمِ مُقْتَضِيهِ تَخَلُّصًا مِنْ دَعْوَى التَّعَارُضِ وَالتَّنَاقُضِ، فَإِنَّ الصُّورَةَ الْمَمْنُوعَ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ مِثْلَ الصُّورَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ كَانَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَالْعَقْلُ يَأْبَاهُ وَيَمْنَعُ مِنْهُ.

وَهَذِهِ الْمُحَاوَلَاتُ إِنَّمَا لَزِمَتْ مِنْ تَقْسِيمِ الْكَلَامِ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ، وَفَسَادُ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَلْزُومِ، يُوَضِّحُهُ: الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ الَّذِينَ اشْتَرَطُوا النَّقْلَ قَالُوا: لَوْ جَازَ الْإِطْلَاقُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ

<<  <   >  >>