قَوْلُنَا: بَحْرٌ مَوْضُوعٌ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ بِمُجَرَّدِهِ، وَلِلْعَالِمِ أَوِ الْجَوَادِ بِقَرِينَةٍ، وَالْأَسَدُ مَوْضُوعٌ لِلْبَهِيمَةِ بِمُجَرَّدِهِ وَالرَّجُلِ الشَّدِيدِ بِقَرِينَةٍ، وَالْحِمَارُ لِلْبَهِيمَةِ وَلِلرَّجُلِ الْبَلِيدِ بِقَرِينَةٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَطَلَ هَذَا الْجَوَابُ.
قِيلَ: لَوْ لَزِمَنِي هَذَا فِي التَّخْصِيصِ لَزِمَهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ الْمُخَالِفَ يَقُولُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلَ مَا نَقُولُ نَحْنُ فِي التَّخْصِيصِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ إِثْبَاتُهَا مَجَازًا إِمَّا بِالتَّوَقُّفِ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ أَنَّهُ مَجَازُ تَوْقِيفٍ فَلَمْ يَجْعَلْهُ مَجَازًا إِلَّا ظَاهِرُ اسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةِ، وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ فِي الْعِبَارَةِ لَا يُجْدِي شَيْئًا وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هَلْ يُبْطِلُ التَّخْصِيصُ دَلَالَةَ اللَّفْظِ وَيَمْنَعُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ تَبْطُلُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ وَيُمْنَعُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّفْظَ لَا يُنَبِّئُ عَنِ الْمُرَادِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَلِ خَطَأٌ، لِأَنَّ الْمُجْمَلَ غَيْرُ دَالٍّ بِلَفْظِهِ عَلَى شَيْءٍ، وَالْعُمُومُ دَالٌّ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ بَعْضَهُ بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مُوجَبِ اللَّفْظِ وَبَيَانِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ:
فَصْلٌ: وَإِذَا خُصَّ مِنَ الْعُمُومِ شَيْءٌ لَمْ يَصِرِ اللَّفْظُ مَجَازًا فِيمَا بَقِيَ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: يَصِيرُ مَجَازًا، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعُمْدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ حَقِيقَةٌ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ نِزَاعٌ فِي ذَلِكَ، كَمَا لَا نِزَاعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَمَنْ نَقَلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ فَهُوَ غَلَطٌ أَقْبَحُ غَلَطٍ وَأَفْحَشُهُ، وَإِذَا لَمْ يُحْتَجَّ بِالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ ذَهَبَتْ أَكْثَرُ الشَّرِيعَةِ وَبَطَلَتْ أَعْظَمُ أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَهَاهُنَا مَسْأَلَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ مَجَازًا بَعْدَ التَّخْصِيصِ أَمْ هُوَ حَقِيقَةٌ؟ وَالثَّانِيَةُ: هَلْ يُحْتَجُّ بِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ أَمْ لَا؟ وَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ الْغَالِطِينَ يَجْعَلُهَا وَاحِدَةً وَيَبْنِي إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَنَقُولُ: إِذَا بَقِيَ مَجَازًا صَارَ مُجْمَلًا فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَهَذَا غَلَطٌ يَتَرَكَّبُ مِنْهُ أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالصِّفَةِ وَبَدَلِ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ ذَلِكَ مَجَازًا، وَمَنْ نَسَبَ إِلَى الْأَئِمَّةِ هَذَا وَهَذَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ، وَيَلْزَمُ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلُ الْكَلَامِ وَأَعْلَاهُ الَّذِي لَا يُدْخَلُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بِهِ وَهُوَ كَلِمَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَجَازًا وَأَنْ يَكُونَ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute