مَجَازًا وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١] مَجَازًا، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] مَجَازًا، وَفَسَادُ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ لُغَةً وَشَرْعًا وَعَقْلًا، وَقَبَّحَ اللَّهُ قَوْلًا يَتَضَمَّنُ أَنْ يَكُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَجَازًا فَلَا كَانَ الْمَجَازُ وَلَا يَكُونُ وَلَا هُوَ كَائِنٌ.
وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ أَرْبَابَ الْمَجَازِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُنَا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مَجَازًا، بَلْ ذَلِكَ صَرِيحُ قَوْلِهِمْ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْيِيدٌ، وَأَصَابُوا فِي ذَلِكَ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ اللَّفْظَ وُضِعَ مُطْلَقًا لَا مُقَيَّدًا، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمُقَيَّدِ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ كَاسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ، وَذَلِكَ الْمَجَازُ بَعْدَ التَّخْصِيصِ كَهَذَا الْمَجَازِ بَعْدَ التَّقْيِيدِ، فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تُفِيدُ الْمُطْلَقَ كَمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَالشَّرْطَ وَالْغَايَةَ وَالْبَدَلَ وَالصِّفَةَ تَخُصُّ الْعُمُومَ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ جِنِّي أَنَّ أَكْثَرَ اللُّغَةِ مَجَازٌ، قَالَ: وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْأَفْعَالِ كَقَامَ وَقَعَدَ وَانْطَلَقَ وَجَاءَ، قَالَ: لِأَنَّ الْفِعْلَ يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْجِنْسُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَاعِلَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ جَمِيعُ الْقِيَامِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ كَلَامِهِ وَالْبَيَانُ الْوَاضِحُ فِي فَسَادِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة: ٣٣] وَقَوْلُهُ: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء: ٧٩] وَقَوْلُهُ: {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: ٢١٣] كُلُّ ذَلِكَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، بَلْ كُلُّ فِعْلٍ أَضَافَهُ الرَّبُّ إِلَى نَفْسِهِ وَإِلَى خَلْقِهِ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ الضَّالِّ، فَإِنَّ الْفِعْلَ جِنْسٌ، وَالْجِنْسُ يُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ الْمَاضِي وَجَمِيعِ الْحَاضِرِ وَجَمِيعِ الْأُمُورِ وَالْكَائِنَاتِ عَنْ كُلِّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الْقِيَامُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا فِي مِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ مُضَاعَفَةُ الْقِيَامِ كُلِّهِ بِالدَّاخِلِ تَحْتَ الْوَهْمِ، هَذَا مُحَالٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّ قَامَ زَيْدٌ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ.
فَانْظُرْ كَيْفَ أَقَرَّ وَاسْتَدَلَّ وَقَرَّرَ أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ كُلَّهَا مَجَازٌ، فَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِنْدَهُ مَجَازٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمَجَازَ يَصِحُّ نَفْيُهُ، وَأَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ مَجَازٌ عِنْدَهُ، فَقَبَّحَ اللَّهُ هَذَا الْقَوْلَ وَلَا بَارَكَ اللَّهُ فِي أَصْلٍ يَتَضَمَّنُ هَذَا الْكُفْرَ وَالْجُنُونَ، وَقَدْ صَرَّحَ مَغَلُ الْجَهْمِيَّةِ بِأَنَّ خَلَقَ وَاسْتَوَى مَجَازٌ فَلَا خَلَقَ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا اسْتَوَى عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute