(بَابُ ذِكْرِ الِاسْتِوَاءِ) إِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا تَقُولُونَ فِي الِاسْتِوَاءِ؟ قِيلَ: نَقُولُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] وَسَاقَ الْأَدِلَّةَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ قَائِلُونَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] أَنَّهُ اسْتَوْلَى وَمَلَكَ وَقَهَرَ، وَجَحَدُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ، وَذَهَبُوا فِي الِاسْتِوَاءِ إِلَى الْقُدْرَةِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَمَا قَالُوا كَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرْشِ وَالْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ وَكُلِّ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ، فَلَوْ كَانَ اللَّهُ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ وَالْقُدْرَةِ لَكَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْأَرْضِ وَالْحُشُوشِ وَالْأَنْتَانِ وَالْأَقْذَارِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَلَمْ نَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى الْحُشُوشِ وَالْأَخْلِيَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ عَلَى مَعْنًى هُوَ عَامٌّ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ يَخْتَصُّ بِالْعَرْشِ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ، وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُوجَزِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ.
الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ مُحَرَّفٌ وَإِنَّمَا هُوَ هَكَذَا:
بِشْرٌ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى الْعِرَاقِ
هَكَذَا لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا مِنْ قَائِلٍ مَعْرُوفٍ، فَكَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهِمُ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا.
الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ هَذَا الْبَيْتُ وَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّفٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِوَاءِ، فَإِنَّ بِشْرًا هَذَا كَانَ أَخَا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْعِرَاقِ، فَاسْتَوَى عَلَى سَرِيرِهَا كَمَا هِيَ عَادَةُ الْمُلُوكِ وَنُوَّابِهَا أَنْ يَجْلِسُوا فَوْقَ سَرِيرِ الْمُلْكِ مُسْتَوِينَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُطَابِقُ لِمَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي اللُّغَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: ١٣] وَقَوْلِهِ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: ٤٤] وَقَوْلِهِ: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: ٢٩] وَفِي الصَّحِيحِ " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ مُلَبِّيًا» " وَقَالَ عَلِيٌّ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَابَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute