للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوهَبٍ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ قَوْلَهُ: إِنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ بِذَاتِهِ، مَعْنَى فَوْقَ وَعَلَى، عِنْدَ جَمِيعِ الْعَرَبِ وَاحِدٌ.

وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ النُّصُوصَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الْجَارِيَةِ «وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ اللَّهُ؟» " وَقَوْلِهَا فِي السَّمَاءِ، وَحُكْمِهِ بِإِيمَانِهَا، وَذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا فَهِمَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ أَدْرَكَ مِنَ التَّابِعِينَ فِيمَا فَهِمُوا مِنَ الصَّحَابَةِ فِيمَا فَهِمُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ بِمَعْنَى فَوْقَهَا وَعَلَيْهَا، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: إِنَّهُ بِذَاتِهِ فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ.

فَتَبَيَّنَ أَنَّ عُلُوَّهُ عَلَى عَرْشِهِ وَفَوْقَهُ إِنَّمَا هُوَ بِذَاتِهِ إِلَّا أَنَّهُ بَايَنَ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ بِلَا كَيْفٍ، وَهُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ الْأَمْكِنَةِ الْمَخْلُوقَةِ بِعِلْمِهِ لَا بِذَاتِهِ، إِذْ لَا تَحْوِيهِ الْأَمَاكِنُ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْهَا. . . إِلَى أَنْ قَالَ: قَوْلَهُ {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] إِنَّمَا مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى غَيْرِ الِاسْتِيلَاءِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالْمُلْكِ، الَّذِي ظَنَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ أَنَّهُ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى الْمَجَازِ لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ.

قَالَ: وَيُبَيِّنُ سُوءَ تَأْوِيلِهِمْ فِي اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلُوهُ مِنَ الِاسْتِيلَاءِ وَغَيْرِهِ مَا قَدْ عَلِمَهُ أَهْلُ الْمَعْقُولِ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْتَوْلِيًا عَلَى جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ بَعْدَ اخْتِرَاعِهِ لَهَا، وَكَانَ الْعَرْشُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سِوَاهُ، فَلَا مَعْنَى تَأْوِيلِهِمْ بِأَفْرَادِ الْعَرْشِ بِالِاسْتِوَاءِ الَّذِي هُوَ فِي تَأْوِيلِهِمُ الْفَاسِدِ اسْتِيلَاءٌ، وَمُلْكٌ وَقَهْرٌ وَغَلَبَةٌ، قَالَ: وَذَلِكَ أَيْضًا يُبَيِّنُ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: ١٢٢] فَلَمَّا رَأَى الْمُصَنِّفُونَ إِفْرَادَ ذِكْرِهِ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَأَرْضِهِ وَتَخْصِيصِهِ بِصِفَةِ الِاسْتِوَاءِ عَلِمُوا أَنَّ الِاسْتِوَاءَ غَيْرُ الِاسْتِيلَاءِ فَأَقَرُّوا بِوَصْفِهِ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى عَرْشِهِ وَأَنَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ، لِأَنَّهُ الصَّادِقُ فِي قِيلِهِ، وَوَقَفُوا عَنْ تَكْيِيفِ ذَلِكَ وَتَمْثِيلِهِ إِذْ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] هَذَا لَفْظُهُ فِي شَرْحِهِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ حَكَى إِجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى بُطْلَانِ تَفْسِيرِ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ لَفْظَهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِ (تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي) وَحَكَاهُ يَقْبَلُهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فَوْرَكٍ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِهِ.

قَالَ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ، وَهِيَ آخِرُ كُتُبِهِ، قَالَ:

<<  <   >  >>