للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ يُقَالُ لَكُمْ: مَا تُرِيدُونَ بِالتَّجْسِيمِ وَالتَّرْكِيبِ اللَّازِمِ؟ أَتُرِيدُونَ بِهِ مَا تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ فَكَأَنَّكُمْ قُلْتُمْ: لَا تَقُومُ بِهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَامَتْ بِهِ لَزِمَ قِيَامُهَا بِهِ، هَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِكُمُ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، فَسَوَّيْتُمْ بَيْنَ اللَّازِمِ وَالْمَلْزُومِ وَنَفَيْتُمُ الشَّيْءَ بِنَفْسِهِ، أَمْ تُرِيدُونَ بِهِ التَّرْكِيبَ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ فَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ، وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ الْمَحْدُوثَةَ غَيْرُ مُرَكَّبَةٍ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، فَكَيْفَ يَلْزَمُ هَذَا مِنْ ثُبُوتِ الصِّفَاتِ لِلرَّبِّ تَعَالَى، وَإِنْ أَرَدْتُمْ مُمَاثَلَتَهُ لِسَائِرِ الْأَجْسَامِ فَهَذَا بِنَاءٌ مِنْكُمْ عَلَى أَصْلِكُمُ الْفَاسِدِ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَمَاثِلَةٌ، فَادَّعَيْتُمْ دَعْوَيَيْنِ كَاذِبَتَيْنِ: لُزُومُ التَّجْسِيمِ مِنْ إِثْبَاتِ صِفَاتِهِ، وَلُزُومُ تَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَا فَرَرْتُمْ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مَحْذُورًا، فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِإِثْبَاتِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعُلُوِّ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْذُورًا فَلَا وَجْهَ لِلْفِرَارِ، بَلْ هُوَ لَازِمُ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ، وَلَازِمُ الْحَقِّ حَقٌّ، فَأَنْتُمْ بَيْنَ دَعْوَيَيْنِ كَاذِبَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا دَعْوَى مُلَازَمَةٍ كَاذِبَةٍ، أَوْ دَعْوَى انْتِفَاءِ لَازِمِ الْحَقِّ فِي ثُبُوتِهِ، فَإِمَّا أَنْ تُحِيطُوا بِهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ اللُّزُومِيَّةِ أَوْ فِي الِاسْتِثْنَائِيَّةِ أَوْ فِيهِمَا، وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ مَا ادَّعَيْتُمْ نَفْيَهُ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ عَشَرَ: أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كَلَفْظِ الْيَدَيْنِ وَالْوَجْهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا مَعْنًى أَوْ تَكُونَ أَلْفَاظًا مُهْمَلَةً لَا مَعْنَى لَهَا، وَالثَّانِي ظَاهِرُ الِاسْتِحَالَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إِثْبَاتِ مَعْنًى لَهَا فَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الذَّاتِ وَلَهُ مَفْهُومٌ غَيْرُ مَفْهُومِ الصِّفَةِ الْأُخْرَى، فَأَيُّ مَحْذُورٍ لَزِمَ فِي إِثْبَاتِ حَقِيقَةِ الْيَدِ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي مَجَازِهَا، وَلَا خَلَاصَ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِإِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَعْنًى أَصْلًا، وَتَكُونُ أَلْفَاظًا مُجَرَّدَةً، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ إِمَّا الْقُدْرَةُ وَإِمَّا الْإِحْسَانُ، وَهُمَا صِفَتَانِ قَائِمَتَانِ بِالْمَوْصُوفِ، فَإِنْ كَانَتَا حَقِيقِيَّتَيْنِ غَيْرَ مُسْتَلْزِمَيْنِ لِمَحْذُورٍ فَهَلَّا حَمَلْتُمُ الْيَدَ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَجَعَلْتُمُ الْبَابَ بَابًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ مَجَازًا وَهُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِكُمْ فَلَا يَدَ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا إِحْسَانَ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَجَازٌ مَحْضٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْوَجْهِ وَالَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ ذَلِكَ إِلْزَامُ الْمَجَازِ فِي الصِّفَاتِ الَّتِي وَافَقُوا عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا إِلْزَامُ نَفْيِ مَا ادَّعَوْا أَنَّهُ مَجَازُ الْيَدِ، فَيَلْزَمُهُمْ نَفْيُ ذَلِكَ كُلِّهِ إِنِ اسْتَلْزَمَ تَشْبِيهًا أَوْ تَجْسِيمًا، أَوْ إِثْبَاتَ الْجَمِيعِ إِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُ بَعْضِ الصِّفَاتِ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ وَالتَّجْسِيمَ، وَبَعْضُهَا لَا يَسْتَلْزِمُهُ، فَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا مَعْلُومٍ بِصُورَةٍ وَلَا نَظَرٍ وَلَا نَصٍّ وَلَا قِيَاسٍ.

الْوَجْهُ الْعِشْرُونَ: أَنَّ إِبْطَالَ حَقِيقَةِ الْيَدِ وَنَفْيَهَا وَجَعْلَهَا مَجَازًا هُوَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ

<<  <   >  >>