مَخْلُوقٍ أَوْ يَكُونَ صِلَةً لَا مَعْنَى لَهُ، أَوْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْقِبْلَةِ وَالْجِهَةِ، وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَأَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ» " فَأَضَافَ النُّورَ إِلَى الْوَجْهِ وَالْوَجْهَ إِلَى الذَّاتِ وَاسْتَعَاذَ بِنُورِ الْوَجْهِ الْكَرِيمِ، فَعُلِمَ أَنَّ نُورَهُ صِفَةٌ لَهُ كَمَا أَنَّ الْوَجْهَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: ٣٥] فَلَا تُشْغَلْ بِأَقْوَالِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ غَشَتْ بَصَائِرُهُمْ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، فَخُذِ الْعِلْمَ عَنْ أَهْلِهِ، فَهَذَا تَفْسِيرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ مَنْ تَدَبَّرَ سِيَاقَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ وَجْهِ اللَّهِ الْأَعْلَى ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ قَطَعَ بِبُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْمَجَازِ، وَأَنَّهُ الثَّوَابُ وَالْجَزَاءُ، لَوْ كَانَ اللَّفْظُ صَالِحًا فِي ذَلِكَ لُغَةً، فَكَيْفَ وَاللَّفْظُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ لُغَةً، فَمِنْهَا قَوْلُهُ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧] وَقَوْلُهُ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: ١٩ - ٢٠] .
الْوَجْهُ السَّادِسُ عَشَرَ: أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ وَجَمِيعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ وَجْهَ رَبِّهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ الَّتِي فَسَّرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦] فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ أَنْكَرَ حَقِيقَةَ الْوَجْهِ لَمْ يَكُنْ لِلنَّظَرِ عِنْدَهُ حَقِيقَةً وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَنْكَرَ الْوَجْهَ وَالْعُلُوَّ، فَيَعُودُ النَّظَرُ عِنْدَهُ إِلَى خَيَالٍ مُجَرَّدٍ، كَانَ أَحْسَنَ الْعِبَارَةِ قَالَ: هُوَ مَعْنًى يَقُومُ بِالْقَلْبِ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ كَنِسْبَةِ النَّظَرِ إِلَى الْعَيْنِ، وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُ نَظَرٌ وَلَا وَجْهٌ وَلَا لَذَّةٌ تَحْصُلُ لِلنَّاظِرِ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ عَشَرَ: أَنَّ الْوَجْهَ حَيْثُ وَرَدَ فَإِنَّمَا وَرَدَ مُضَافًا إِلَى الذَّاتِ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى نَوْعَانِ: أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ وَرُوحِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِ اللَّهِ فَهَذَا إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَتَخْصِيصٍ، وَهِيَ إِضَافَةُ مَمْلُوكٍ إِلَى مَالِكِهِ (الثَّانِي) صِفَاتٌ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا كَعِلْمِ اللَّهِ وَحَيَاتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَنُورِهِ وَكَلَامِهِ، فَهَذَا إِذَا وَرَدَتْ مُضَافَةً إِلَيْهِ فَهِيَ إِضَافَةُ صِفَةٍ إِلَى الْمَوْصُوفِ بِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute