للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِذَا عُرِّفَ ذَلِكَ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ إِذَا أُضِيفَ إِلَيْهِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ إِضَافَتُهُ إِضَافَةَ وَصْفٍ لَا إِضَافَةَ خَلْقٍ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ تَنْفِي أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ مَخْلُوقًا وَأَنْ يَكُونَ حَشْوًا فِي الْكَلَامِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ " «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» "، فَتَأَمَّلْ كَيْفَ قَرَنَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ بَيْنَ اسْتِعَاذَتِهِ بِالذَّاتِ وَبَيْنَ اسْتِعَاذَتِهِ بِالْوَجْهِ الْكَرِيمِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ الذَّاتُ نَفْسُهَا، وَقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ عَشَرَ: أَنَّ تَفْسِيرَ وَجْهِ اللَّهِ بِقِبْلَةِ اللَّهِ وَإِنْ قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ كَمُجَاهِدٍ وَتَبِعَهُ الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّمَا قَالُوهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا غَيْرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] فَهَبْ أَنَّ هَذَا كَذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا الْوَجْهَ، فَمَا يُفِيدُكُمْ هَذَا فِي قَوْلِهِ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧] وَقَوْلِهِ {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: ٢٠] وَقَوْلِهِ {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: ٩] عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ فِي قَوْلِهِ: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] أَنَّهُ كَقَوْلِهِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْوَجْهُ، فَإِنَّهُ قَدِ اطَّرَدَ مَجِيئُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُضَافًا إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعْنًى وَاحِدٍ، فَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ غَيْرَ الْمَوْضِعِ الَّذِي ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] وَهَذَا لَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْقِبْلَةِ وَالْجِهَةِ، وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُرَادَ بِهِ وَجْهُ الرَّبِّ حَقِيقَةً، فَحَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَنَظَائِرِهِ كُلِّهَا أَوْلَى، يُوَضِّحُهُ: الْوَجْهُ التَّاسِعُ عَشَرَ: أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِطْلَاقُ وَجْهِ اللَّهِ عَلَى الْقِبْلَةِ لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا بَلِ الْقِبْلَةُ لَهَا اسْمٌ يَخُصُّهَا، وَالْوَجْهُ لَهُ اسْمٌ يَخُصُّهُ، فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَا يُسْتَعَارُ اسْمُهُ لَهُ، نَعَمْ، الْقِبْلَةُ تُسَمَّى وِجْهَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا} [البقرة: ١٤٨] وَقَدْ تُسَمَّى جِهَةً وَأَصْلُهَا وِجْهَةٌ لَكِنْ أُعِلَّتْ بِحَذْفِ فَائِهَا كَزِنَةٍ وَعِدَةٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ قِبْلَةً وَوِجْهَةً لِأَنَّ الرَّجُلَ يُقَابِلُهَا وَيُوَاجِهُهَا

<<  <   >  >>