السِّيَاقُ السِّيَاقَ وَالْمَعْنَى الْمَعْنَى وَيُطَابِقُهُ، أَمْ هُمَا سِيَاقَانِ دَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الْآخَرِ، فَالْأَلْفَاظُ غَيْرُ الْأَلْفَاظِ، وَالْمَعْنَى غَيْرُ الْمَعْنَى.
الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِوَجْهِ اللَّهِ قِبْلَةَ اللَّهِ لَكَانَ قَدْ أَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ الْقِبَلَ كُلَّهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ إِضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ إِلَى إِلَهِيَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ لَا إِضَافَةٌ عَامَّةٌ إِلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَا هَذَا شَأْنُهَا لَا يَكُونُ الْمُضَافُ الْخَاصُّ إِلَّا كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ وَرُوحِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْبُيُوتَ وَالنُّوقَ وَالْأَرْوَاحَ كُلَّهَا لِلَّهِ، وَلَكِنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ بَعْضُهَا، فَقِبْلَةُ اللَّهِ مِنْهَا هِيَ قِبْلَةُ بَيْتِهِ لَا كُلُّ قِبْلَةٍ، كَمَا أَنَّ بَيْتَهُ هُوَ الْبَيْتُ الْمَخْصُوصُ لَا كُلُّ بَيْتٍ.
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يُقَالَ: حَمْلُ الْوَجْهِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْجِهَةِ وَالْقِبْلَةِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَوْ يَكُونَ خِلَافَ ظَاهِرِهَا، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ وَجْهُ اللَّهِ حَقِيقَةً ; لِأَنَّ الْوَجْهَ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْجِهَةُ وَالْقِبْلَةُ إِذَا جَاءَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُضَافٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ، فَلَمْ يَقْدَمْ أَحَدٌ مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا أَخْبَرَ بِالْجُودِ، أَمْ يَكُونُ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْأَمْرَيْنِ كِلَيْهِمَا وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، فَأَيْنَمَا وَلَّى الْعَبْدُ وَجْهَهُ فِي صَلَاةٍ تَوْلِيَةَ مَأْمُورٍ بِهَا فَهُوَ قِبْلَةُ اللَّهِ، وَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ، فَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ قِبْلَتَهُ وَوَجْهَهُ، أَوْ تَكُونُ الْآيَةُ مُجْمَلَةً مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُهَا لَمْ يَكُنْ حَمْلُهَا عَلَيْهِ مَجَازًا، وَكَانَ ذَلِكَ حَقِيقَتَهَا، وَمَنْ يَقُولُ هَذَا يَقُولُ وَجْهُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قِبْلَتُهُ وَجِهَتُهُ الَّتِي أَمَرَ بِاسْتِقْبَالِهَا بِخِلَافِ وَجْهِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧] وَتِلْكَ النُّصُوصُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ لَفْظًا مُشْتَرَكًا قَدِ اسْتُعْمِلَ فِي هَذَا تَارَةً وَفِي هَذَا تَارَةً، فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الرَّبِّ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ مَجَازًا وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ حَقِيقَةً؟ لَوْلَا التَّلْبِيسُ وَالتَّرْوِيجُ بِالْبَاطِلِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَأَيْنَمَا وَلَّى الْمُصَلِّي فَهِيَ قِبْلَةُ اللَّهِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ وَجْهَ رَبِّهِ ; لِأَنَّهُ وَاسِعٌ وَالْعَبْدُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ إِلَى وَجْهِهِ مِنَ الْجِهَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِوَجْهِهِ، كَمَا تَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ قَوْلِهِ: ( «إِذَا قَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute