قَالَ قَلْبُهُ لَمَّا اسْتَنَارَ فِيهِ الْإِيمَانُ وَالْقُرْآنُ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، يَقُولُ: مُضِيءٌ {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} [النور: ٣٥] قَالَ فَالشَّجَرَةُ الْمُبَارَكَةُ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} [النور: ٣٥] قَالَ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ الْتَفَّ بِهَا الشَّجَرُ، فَهِيَ خَضْرَاءُ نَاعِمَةٌ لَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَتْ لَا إِذَا طَلَعَتْ وَلَا إِذَا غَرَبَتْ، قَالَ فَذَلِكَ هَذَا الْمُؤْمِنُ قَدْ أُجِيرَ مِنْ أَنْ يُضِلَّهُ شَيْءٌ مِنَ الْفِتَنِ وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهَا فَثَبَّتَهُ اللَّهُ، فَهَا هُوَ بَيْنَ أَرْبَعِ خِلَالٍ: إِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِنْ قَالَ صَدَقَ، وَإِنْ حَكَمَ عَدَلَ، فَهُوَ فِي النَّاسِ كَرَجُلٍ يَمْشِي فِي قُبُورِ الْأَمْوَاتِ، {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: ٣٥] فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ النُّورِ، فَكَلَامُهُ نُورٌ، وَعِلْمُهُ نُورٌ، وَمُدْخَلُهُ نُورٌ، وَمُخْرَجُهُ نُورٌ وَمَصِيرُهُ إِلَى النُّورِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا آخَرَ لِلْكَافِرِ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: ٣٩] الْآيَةَ، قَالَ: فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا فَلَا يَجِدُهُ فَيُدْخِلُهُ النَّارَ.
قَالَ: وَضَرَبَ مَثَلًا آخَرَ لِلْكَافِرِ فَقَالَ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور: ٤٠] الْآيَةَ، فَهُوَ يَنْقَلِبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ الظُّلَمِ: فَكَلَامُهُ ظُلْمَةٌ، وَمُدْخَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمُخْرَجُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَصِيرُهُ إِلَى الظُّلُمَاتِ إِلَى النَّارِ.
فَهَذَا التَّفْسِيرُ الْمَعْرُوفُ عَنْ أُبَيٍّ لَا مَا ذَكَرَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ النُّورُ صِفَةَ فِعْلٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ ظَاهِرٌ، فَمَا أَبْعَدَهُ عَنِ الصَّوَابِ، وَكَوْنُهُ ظَاهِرًا لَيْسَ بِصِفَةِ فِعْلٍ، فَإِنَّهُ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَتِلْكَ صِفَاتُ ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ لَا أَنَّهَا أَفْعَالٌ.
قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْإِبَانَةِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} [النور: ٣٥] فَسَمَّى نَفْسَهُ نُورًا، وَالنُّورُ عِنْدَ الْأُمَّةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ نُورًا يُسْمَعُ أَوْ نُورًا يُرَى، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ يُسْمَعُ وَلَا يُرَى كَانَ مُخْطِئًا فِي نَفْيِهِ رُؤْيَةَ رَبِّهِ وَتَكْذِيبِهِ بِكِتَابِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَوْلِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا لَفْظُهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: فَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: ( «بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ، فَإِذَا الرَّبُّ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: ٥٨] قَالَ: فَيَنْظُرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute