للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُدْرِكْهُ شَيْءٌ، كَيْفَ وَلَفْظُ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ يَنْبُو عَنْ تَفْسِيرِ النُّورِ بِالْهَادِي ; لِأَنَّ الْهِدَايَةَ تَخْتَصُّ بِالْحَيَوَانِ وَأَمَّا الْأَرْضُ نَفْسُهَا وَالسَّمَاءُ فَلَا تُوصَفُ بِهُدًى، وَالْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ صَرِيحٌ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكِنَّ عَادَةَ السَّلَفِ أَنْ يَذْكُرَ أَحَدُهُمْ فِي تَفْسِيرِ اللَّفْظَةِ بَعْضَ مَعَانِيهَا وَلَازِمًا مِنْ لَوَازِمِهَا أَوِ الْغَايَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهَا أَوْ مِثَالًا يُنَبِّهُ السَّامِعَ عَلَى نَظِيرِهِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، فَكَوْنُهُ سُبْحَانَهُ هَادِيًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ نُورًا.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ بِمَعْنَى مُنَوِّرٍ وَأَنَّهَا فِي مُصْحَفِهِ كَذَلِكَ، فَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ فِي نَفْسِهِ نُورًا وَأَنْ يَكُونَ النُّورُ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بَلْ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَاتِ النُّورَانِيَّةَ نَوْعَانِ (مِنْهَا) مَا هُوَ فِي نَفْسِهِ مُسْتَنِيرٌ وَلَا يُنِيرُ غَيْرَهُ كَالْجَمْرَةِ مَثَلًا، فَهَذَا لَا يُقَالُ لَهُ نُورٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَنِيرٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مُنِيرٌ لِغَيْرِهِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنَّارِ، وَلَيْسَ فِي الْمَوْجُودَاتِ مَا هُوَ مُنَوِّرٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِنُورٍ بَلْ إِنَارَتُهُ لِغَيْرِهِ فَرْعُ كَوْنِهِ نُورًا فِي نَفْسِهِ، فَقِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنَوِّرٌ تَحْقِيقٌ لِمَعْنَى كَوْنِهِ نُورًا، وَهَذَا مِثْلُ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا مُعَلِّمًا مُرْشِدًا مُقَدِّرًا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَرْعُ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مُتَكَلِّمًا عَالِمًا رَشِيدًا قَادِرًا، قَدْ صَرَّحَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَنَّ نُورَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ بِمَعْنَى مُزَيِّنٍ فَلَا أَصْلَ لَهُ عَنْ أُبَيٍّ، وَهُوَ بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ أَشْبَهُ، فَإِنَّ تَفْسِيرَ أُبَيٍّ لِهَذِهِ الْآيَةِ مَعْرُوفٌ، رَوَاهُ عَنْهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيٍّ، ذَكَرَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٌ وَوَكِيعٌ وَهُشَيْمٌ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَخَلَائِقُ غَيْرُهُمْ.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَسَعِيدٌ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِي تَفَاسِيرِهِمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: ٣٥] قَالَ: فَبَدَأَ بِنُورٍ نَمَسُّهُ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ نُورَ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ {مَثَلُ نُورِهِ} [النور: ٣٥] يَقُولُ مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ (مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ) قَالَ فَهُوَ عَبْدٌ جُعِلَ الْإِيمَانُ وَالْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ {كَمِشْكَاةٍ} [النور: ٣٥] قَالَ الْمِشْكَاةُ صَدْرُهُ {فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: ٣٥] قَالَ: الْمِصْبَاحُ الْقُرْآنُ وَالْإِيمَانُ الَّذِي جُعِلَ فِي صَدْرِهِ {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور: ٣٥] قَالَ {الزُّجَاجَةُ} [النور: ٣٥] قَلْبُهُ، {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور: ٣٥]

<<  <   >  >>