شَهِدَ حَسَّانُ وَشَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَهَادَتِهِ إِلَّا عَلَى فَوْقِيَّةِ ذَاتِهِ؟ وَهَلْ أَرَادَ أَنَّهُ رَسُولُ الَّذِي خَيْرٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَأَفْضَلُ مِنْهَا؟ !
الثَّالِثُ عَشَرَ: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ أَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي " وَفِي لَفْظٍ: " فَهُوَ عِنْدَهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْعَرْشِ» "، فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: " «فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ» " هَلْ يَصِحُّ حَمْلُ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْمَجَازِ وَفَوْقِيَّةِ الرُّتْبَةِ وَالْفَضِيلَةِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ؟
وَفِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: ٣] بِقَوْلِهِ: " «أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ» " فَجَعَلَ كَمَالَ الظُّهُورِ مُوجِبًا لِكَمَالِ الْفَوْقِيَّةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ بِذَاتِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالظُّهُورُ هُنَا الْعُلُوُّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: ٩٧] أَيْ: يَعْلُوهُ، وَقَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: " فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ " أَيْ أَنْتَ فَوْقَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا لَيْسَ لِهَذَا اللَّفْظِ مَعْنًى غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ الظُّهُورُ عَلَى الْغَلَبَةِ لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ: وَأَنْتَ الْبَاطِنُ.
فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ الْأَرْبَعَةُ مُتَقَابِلَةٌ: اسْمَانِ لِأَزَلِ الرَّبِّ تَعَالَى وَأَبَدِهِ، وَاسْمَانِ لِعُلُوِّهِ وَقُرْبِهِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عِنْدَهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " «أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَهِدَتِ الْأَنْفُسُ وَضَاعَتِ الْعِيَالُ وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي فَاسْتَقِ لَنَا رَبَّكَ فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، قَالَ: وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَإِنَّهُ لِيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute