فَوْقَ عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَيَنْزِلُ عَلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كَيْفَ شَاءَ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي كِتَابِ اعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: ٤] {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧] قَالَ: بِعِلْمِهِ مُحِيطٌ بِالْكُلِّ وَرَبُّنَا عَلَى الْعَرْشِ بِلَا حَدٍّ وَلَا صِفَةٍ، أَرَادَ أَحْمَدُ بِنَفْيِ الصِّفَةِ نَفْيَ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ، وَبِنَفْيِ الْحَدِّ نَفْيَ حَدٍّ يُدْرِكُهُ الْعِبَادُ وَيَحُدُّونَهُ، وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا حَنَفِيَّةَ عَمَّنْ يَقُولُ لَا أَعْرِفُ رَبِّي فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الْأَرْضِ، قَالَ قَدْ كَفَرَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] وَلَكِنْ لَا يُدْرَى الْعَرْشُ فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ: إِذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ فَقَدْ كَفَرَ، وَقَالَ مَالِكٌ: اللَّهُ فِي السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، ذَكَرَهُ الطَّلَمَنْكِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُمْ.
الرَّابِعُ عَشَرَ: أَنَّ هَذَا اتِّفَاقٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ عُثْمَانُ ابْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ فِي نَقْضِهِ عَلَى الْمَرِيسِيِّ (قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ) قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: إِنَّ اللَّهَ بِكَمَالِهِ فَوْقَ عَرْشِهِ، يَعْلَمُ وَيَسْمَعُ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ الْجَهْمِيَّةُ فَقَالَ: هُمْ شَرٌّ قَوْلًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَدِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ عَلَى الْعَرْشِ، وَقَالُوا هُمْ: لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ شَيْءٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الزَّاهِدُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ لَهُ: بَابُ الْإِيمَانِ: بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِخَلْقِهِ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ: وَأَئِمَّتُنَا كَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ وَأَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ مَكَانٍ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ فِي الِاعْتِقَادِ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ اعْتِقَادُ السَّلَفِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، قَالَ فِيهِ: وَإِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ثَبَتَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرْشِ وَاسْتِوَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ يَقُولُونَ بِهَا وَيُثْبِتُونَهَا مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ وَأَنَّ اللَّهَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلْقُهُ بَائِنُونَ مِنْهُ، لَا يَحِلُّ فِيهِمْ وَلَا يَمْتَزِجُ بِهِمْ، وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ مِنْ دُونِ أَرْضِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute