للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ: الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى، وَبِجَمِيعِ مَا فِي سَبْعِ أَرَضِينَ.

وَكَذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ.

الْخَامِسُ عَشَرَ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَوْ لَمْ يَتَّصِفْ بِفَوْقِيَّةِ الذَّاتِ مَعَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُخَالِطٍ لِلْعَالَمِ لَكَانَ مُتَّصِفًا بِضِدِّهَا، لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو مِنْهُ أَوْ مِنْ ضِدِّهِ، وَضِدُّ الْفَوْقِيَّةِ السُّفُولُ، وَهُوَ مَذْمُومٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ.

فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَابِلُ الْفَوْقِيَّةِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ نَفْيِهَا ثُبُوتُ ضِدِّهَا، قِيلَ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لِلْفَوْقِيَّةِ وَالْعُلُوِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، فَمَتَى أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّهُ ذَاتٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُخَالِطٍ لِلْعَالَمِ، وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ وُجُودُهُ ذِهْنِيًّا فَقَطْ، بَلْ وَجُودُهُ خَارِجَ الْأَذْهَانِ، فَقَدْ عَلِمَ الْعُقَلَاءُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَا كَانَ وُجُودُهُ خَارِجَ الْأَذْهَانِ، فَهُوَ إِمَّا فِي هَذَا الْعَالَمِ وَإِمَّا خَارِجٌ عَنْهُ، وَإِنْكَارُ ذَلِكَ إِنْكَارٌ لِمَا هُوَ مِنْ أَجْلَى الْبَدِيهِيَّاتِ، فَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلٍ إِلَّا كَانَ الْعِلْمُ بِالْمُبَايَنَةِ أَوْضَحَ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ الْعُلُوُّ وَالْفَوْقِيَّةُ صِفَةَ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَقْصًا وَلَا يُوجِبُ مَحْذُورًا، وَلَا يُخَالِفُ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً وَلَا إِجْمَاعًا، فَنَفْيُ حَقِيقَتِهَا عَيْنُ الْبَاطِلِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ وَالْإِيمَانِ بِكِتَابِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِذَلِكَ، فَكَيْفَ إِذَا شَهِدَتْ بِذَلِكَ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ وَالْفِطَرُ الْمُسْتَقِيمَةُ، وَحَكَمَتْ بِهِ الْقَضَايَا الْبَدِيهِيَّاتُ وَالْمُقَدِّمَاتُ الْيَقِينِيَّاتُ، فَلَوْ لَمْ يَقْبَلِ الْعُلُوَّ وَالْفَوْقِيَّةَ لَكَانَ كُلُّ عَالٍ عَلَى غَيْرِهِ أَكْمَلَ مِنْهُ، فَإِنَّ مَا يَقْبَلُ الْعُلُوَّ أَكْمَلُ مِمَّا لَا يَقْبَلُهُ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ عَشَرَ: إِنَّهُ لَوْ كَانَتْ فَوْقِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةَ لَهَا لَمْ يُتَصَرَّفْ فِي أَنْوَاعِهَا وَأَقْسَامِهَا وَلَوَازِمِهَا، وَلَمْ يُتَوَسَّعْ فِيهَا غَايَةَ التَّوَسُّعِ، فَإِنَّ فَوْقِيَّةَ الرُّتْبَةِ وَالْفَضِيلَةِ لَا يُتَصَرَّفُ فِي تَنْوِيعِهَا إِلَّا بِمَا شَاكَلَ مَعْنَاهَا، نَحْوَ قَوْلِنَا: هَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا وَأَفْضَلُ وَأَجَلُّ وَأَعْلَى قِيمَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَمَّا فَوْقِيَّةَ الذَّاتِ فَإِنَّهَا تَتَنَوَّعُ بِحَسَبِ مَعْنَاهَا، فَيُقَالُ فِيهَا اسْتَوَى وَعَلَا وَارْتَفَعَ، وَصَعِدَ وَيَعْرُجُ إِلَيْهِ كَذَا وَيَصْعَدُ إِلَيْهِ وَيَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُوَ عَالٍ عَلَى كَذَا وَرَفِيعُ الدَّرَجَاتِ، وَتُرْفَعُ إِلَيْهِ الْأَيْدِي، وَيَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَأَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ وَأَنَّ عِبَادَهُ يَخَافُونَهُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَأَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَأَنَّهُ يُبْرِمُ الْقَضَاءَ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، وَأَنَّهُ دَنَا مِنْ رَسُولِهِ وَعَبْدِهِ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَى فَوْقِ

<<  <   >  >>