للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْأَنَامِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي نُزُولِ الْكَبْشِ الَّذِي فَدَى اللَّهُ بِهِ إِسْمَاعِيلَ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ رُوِيَ فِي نُزُولِ الْحَدِيدِ مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَرْبَابِ النَّقْلِ، كَنُزُولِ السِّنْدَانِ وَالْمِطْرَقَةِ، وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَجْزِمْ بِذَلِكَ فَالْمُدَّعَى أَنَّ الْحَدِيدَ لَمْ يُنَزَّلْ مِنَ السَّمَاءِ لَيْسَ مَعَهُ مَا يُبْطِلُ ذَلِكَ.

السَّادِسُ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا قَالَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَوْلُهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْحَدِيدَ وَالْأَنْعَامَ لَمْ يُنَزَّلْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ لَا يُخْرِجُ لَفْظَةَ النُّزُولِ عَنْ حَقِيقَتِهَا، إِذْ عَدَمُ النُّزُولِ مِنْ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ مُطْلَقًا.

السَّابِعُ: إِنَّ الْحَدِيدَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَعَادِنِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَهِيَ عَالِيَةٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَعْدِنُهُ أَعْلَى كَانَ حَدِيدُهُ أَجْوَدَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: ٦] ، فَإِنَّ الْأَنْعَامَ تُخْلَقُ بِالتَّوَالُدِ الْمُسْتَلْزِمِ إِنْزَالَ الذُّكُورِ الْمَاءَ مِنْ أَصْلَابِهَا إِلَى أَرْحَامِ الْإِنَاثِ، وَلِهَذَا يُقَالُ أَنْزَلَ وَلَمْ يُنْزِلْ، ثُمَّ إِنَّ الْأَجِنَّةَ تَنْزِلُ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ إِلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَنْعَامَ تَعْلُو فُحُولُهَا إِنَاثَهَا بِالْوَطْءِ، وَيَنْزِلُ مَاءُ الْفَحْلِ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى رَحِمِ الْأُنْثَى وَتُلْقِي وَلَدَهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ، وَعَلَى هَذَا فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ} [الزمر: ٦] وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} [الحديد: ٢٥] فَتَكُونُ (مِنْ) لِبَيَانِ الْجِنْسِ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ كَقَوْلِهِ: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: ١] فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ الْمَحَلَّ الَّذِي أُنْزِلَتْ مِنْهُ وَهُوَ أَصْلَابُ الْفُحُولِ، وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ يُحْتَمَلَانِ فِي قَوْلِهِ: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا} [الشورى: ١١] هَلِ الْمُرَادُ جَعَلَ لَكُمْ مَنْ جِنْسِكُمْ أَزْوَاجًا أَوِ الْمُرَادُ جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَذَوَاتِكُمْ، كَمَا جُعِلَتْ حَوَّاءُ مِنْ نَفْسِ آدَمَ، وَكَذَلِكَ تَكُونُ أَزْوَاجُ الْأَنْعَامِ مَخْلُوقَةً مِنْ ذَوَاتِ الذُّكُورِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ الزَّوْجُ مِنْ نَفْسِ الذَّكَرِ إِلَّا مِنْ آدَمَ وَحْدَهُ، وَأَمَّا سَائِرُ النَّوْعِ فَالزَّوْجُ مَأْخُوذٌ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْإِنْزَالَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: أَحَدُهَا: إِنْزَالٌ مُطْلَقٌ كَقَوْلِهِ: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} [الحديد: ٢٥] فَأَطْلَقَ الْإِنْزَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَبْدَأَهُ، كَقَوْلِهِ: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: ٦] .

<<  <   >  >>