وَالْجِهَةِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْحَوَادِثِ وَالْعِلَّةِ وَالتَّغَيُّرِ وَالتَّرْكِيبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَحْتَهَا حَقٌّ وَبَاطِلٌ، فَهَذِهِ لَا تُقْبَلٌ مُطْلَقًا وَلَا تُرَدُّ مُطْلَقًا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُثْبِتْ لِنَفْسِهِ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ وَلَمْ يَنْفِهَا عَنْهُ، فَمَنْ أَثْبَتَهَا مُطْلَقًا فَقَدْ أَخْطَأَ وَمَنْ نَفَاهَا مُطْلَقًا فَقَدَ أَخْطَأَ، فَإِنَّ مَعَانِيهَا مُنْقَسِمَةٌ إِلَى مَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُهُ لِلَّهِ، وَمَا يَجِبُ إِثْبَاتُهُ لَهُ، فَإِنَّ الِانْتِقَالَ يُرَادُ بِهِ انْتِقَالُ الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ مِنْ مَكَانٍ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَهُوَ يُمْتَنَعُ إِثْبَاتُهُ لِلرَّبِّ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ الْحَرَكَةُ إِذَا أُرِيدَ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى امْتَنَعَ إِثْبَاتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَيُرَادُ بِالْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ حَرَكَةُ الْفَاعِلِ مِنْ كَوْنِهِ فَاعِلًا، وَانْتِقَالِهِ أَيْضًا مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ فَاعِلٍ إِلَى كَوْنِهِ فَاعِلًا.
فَهَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ فِي نَفْسِهِ لَا يُعْقَلُ كَوْنُ الْفَاعِلِ إِلَّا بِهِ، فَنَفْيُهُ عَنِ الْفَاعِلِ نَفْيٌ لِحَقِيقَةِ الْفِعْلِ وَتَعْطِيلٌ لَهُ، وَقَدْ يُرَادُ بِالْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ فِعْلٌ يَقُومُ بِذَاتِ الْفَاعِلِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَكَانِ الَّذِي قَصَدَ لَهُ، وَأَرَادَ إِيقَاعَ الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ فِيهِ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَنْزِلُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَيَأْتِي فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَيَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَيَنْزِلُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَيَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَنْزِلُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهَذِهِ أَفْعَالٌ يَفْعَلُهَا بِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، فَلَا يَجُوزُ نَفْيُهَا عَنْهُ بِنَفْيِ الْحَرَكَةِ وَالنَّقْلَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمَخْلُوقِينَ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِ أَفْعَالِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ، فَمَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ أَفْعَالِهِ لَمْ يَجُزْ نَفْيُهُ عَنْهُ، وَمَا كَانَ مِنْ خَصَائِصِ الْخَلْقِ لَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُهُ لَهُ، وَحَرَكَةُ الْحَيِّ مَنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ إِلَّا بِالْحَرَكَةِ وَالشُّعُورِ فَكُلُّ حَيٍّ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ وَلَهُ شُعُورٌ، فَنَفْيُ الْحَرَكَةِ عَنْهُ كَنَفْيِ الشُّعُورِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْحَيَاةِ.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ: لَوْ قَامَتْ بِهِ الصِّفَاتُ لَقَامَتْ بِهِ الْأَعْرَاضُ، قِيَامُ الْأَعْرَاضِ بِهِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ جِسْمًا، فَقَالَتِ الصِّفَاتِيَّةُ: قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى قِيَامِ الصِّفَاتِ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ نَفْيُهَا عَنْهُ بِتَسْمِيَتِهَا أَعْرَاضًا، فَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالْأَعْرَاضِ الصِّفَاتِ فَإِثْبَاتُ الصِّفَاتِ حَقٌّ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ إِثْبَاتِهَا لِلرَّبِّ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute