للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ يَصْعَدُ إِلَيْهِ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ لَكَانَ جِسْمًا وَجَوَابُهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ وَالْفِطْرَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَالٍ عَلَى خَلْقِهِ، فَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ بِتَسْمِيَتِهِ تَجْسِيمًا، فَإِنْ كَانَ التَّجْسِيمُ اللَّازِمُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنًا مِنْ خَلْقِهِ، فَهَذَا اللَّازِمُ حَقٌّ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى لُزُومُ تَرْكِيبِهِ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ وَالْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ أَوْ كَوْنُهُ مُمَاثِلًا لِلْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ فَدَعْوَى هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ كَذِبٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْفَى عَنِ اللَّهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَالْفِطْرَةُ بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ تَنْقَسِمُ مَعَانِيهَا إِلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ يَأْتِي أَمْرُهُ وَيَنْزِلُ رَحْمَتُهُ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا نَزَلَ وَأَتَى حَلَّتْ رَحْمَتُهُ وَأَمْرُهُ فَهَذَا حَقٌّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ النُّزُولَ وَالْمَجِيءَ وَالْإِتْيَانَ لِلرَّحْمَةِ وَالْأَمْرِ لَيْسَ إِلَّا، فَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ قَدْ تَقَدَّمَتْ وَنَزِيدُهَا وُجُوهًا أُخَرَ مِنْهَا أَنْ يُقَالَ: أَتُرِيدُونَ رَحْمَتَهُ وَأَمْرَهُ صِفَتَهُ الْقَائِمَةَ بِذَاتِهِ؟ أَمْ مَخْلُوقًا مُنْفَصِلًا سَمَّيْتُمُوهُ رَحْمَةً وَأَمْرًا؟ فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ فَنُزُولُهُ يَسْتَلْزِمُ نُزُولَ الذَّاتِ وَمَجِيئَهَا قَطْعًا، وَإِنْ أَرَدْتُمُ الثَّانِي كَانَ الَّذِي يَنْزِلُ وَيَأْتِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ مَخْلُوقًا مُحْدَثًا لَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ قَطْعًا وَهُوَ تَكْذِيبٌ صَرِيحٌ لِلْخَبَرِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَهُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَلَا يَأْتِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْزِلُ وَيَأْتِي غَيْرُهُ.

وَمِنْهَا: كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ: لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي غَيْرِي، وَيَقُولُ: مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ؟ وَنُزُولُ رَحْمَتِهِ وَأَمْرِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِنُزُولِهِ سُبْحَانَهُ وَمَجِيئِهِ، وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ لِلْمَخْلُوقِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْبَاطِلِ الَّذِي لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ مَعَ رَدِّ خَبَرِهِ صَرِيحًا.

وَمِنْهَا: أَنَّ نُزُولَ رَحْمَتِهِ وَأَمْرِهِ لَا يَخْتَصُّ بِالثُّلُثِ الْأَخِيرِ وَلَا بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ يَنْزِلُ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ فَلَا تَنْقَطِعُ رَحْمَتُهُ وَلَا أَمْرُهُ عَنِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ طَرْفَةَ عَيْنٍ.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْمَنْقُولَةُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَاخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُهُ عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: إِنَّهَا غَلَطٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ حَنْبَلًا تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ، وَهُوَ كَثِيرُ الْمَفَارِيدِ الْمُخَالِفَةِ لِلْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ وَإِذَا تَفَرَّدَ بِمَا خَالَفَ الْمَشْهُورَ عَنْهُ، فَالْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ لَا يُثْبِتُونَ ذَلِكَ رِوَايَةً وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ يُثْبِتُونَ ذَلِكَ رِوَايَةً، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِجَادَّةِ مَذْهَبِهِ، هَذَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ فَكَيْفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ .

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلْ ضَبَطَ حَنْبَلٌ مَا نَقَلَ وَحَفِظَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ هَذَا

<<  <   >  >>