حَدِيثِهِمْ مَا خَالَفُوا فِيهِ الثِّقَاتِ، وَرَوَوْا مَا يُخَالِفُ رِوَايَاتِ الْحُفَّاظِ وَشَذُّوا عَنْهُمْ، وَأَمَّا إِذَا رَوَى أَحَدُهُمْ مَا شَوَاهِدُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَا رَيْبَ فِي قَبُولِ حَدِيثِهِ، أَمَّا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ فَحَسَنُ الْحَدِيثِ أَيْضًا، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ مَعَ تَشَدُّدِهِ فِي الرِّجَالِ وَأَنَّ لَهُ فِيهِمْ شَرْطًا أَشَدَّ مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى بِإِسْنَادِهِ بِطُولِهِ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى مَنْ رَدَّهُ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَوَّلَهُ فِي الصَّحِيحِ مُسْتَشْهِدًا بِهِ تَعْلِيقًا، وَرَوَاهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ بِطُولِهِ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى وَقَالَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ، وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: هِيَ أَصَحُّ مِنْ صَحِيحِ الْحَاكِمِ، وَقَالَ الصَّرِيفِينِيُّ: شَرْطُهُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ شَرْطِ الْحَاكِمِ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي السُّنَّةِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ وَالسُّنَّةِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ مُحْتَجِّينَ بِهِ، فَمِنَ النَّاسِ سِوَى هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ سَادَاتِ الْإِسْلَامِ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا أَعَلَّهُ بِهِ بَعْضُ الْجَهْمِيَّةِ ظُلْمًا مِنْهُ وَهَضْمًا لِلْحَقِّ، حَيْثُ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُضَعِّفِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ دُونَ مَنْ وَثَّقَهُمَا وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا، فَيُوهِمُ الْغِرَّ أَنَّهُمَا مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِمَا لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِمَا، ثُمَّ أَعَلَّهُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا فَقَالَ: وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَذَا تَعْلِيلًا مِنَ الْبُخَارِيِّ لَهُ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ: وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي طَلَبِ حَدِيثٍ وَاحِدٍ شَهْرًا، وَرَوَاهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَدَبِ بِإِسْنَادِهِ وَأَعَلَّهُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا يَحْتَجَّا بِابْنِ عَقِيلٍ، وَهَذِهِ عِلَّةٌ بَارِدَةٌ بَاطِلَةٌ، كُلُّ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى بُطْلَانِهَا، وَأَعَلَّهُ بِاضْطِرَابِ أَلْفَاظِهِ، فَفِي بَعْضِهَا يَقُولُ: " فَقَدِمْتُ الشَّامَ "، وَفِي بَعْضِهَا " فَيُنَادِي " بِكَسْرِ الدَّالِ، وَفِي بَعْضِهَا " فَيُنَادَى " بِفَتْحِهَا، وَفِي بَعْضِهَا " حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَسْمَعْهُ "، وَفِي بَعْضِهَا " فَمَا أَحَدٌ يَحْفَظُهُ غَيْرُكَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ تُذَاكِرَنِيهِ "، قَالَ: وَهَذَا يُشْعِرُ أَنَّهُ سَمِعَهُ أَيْضًا وَأَحَبَّ مُذَاكَرَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ لَهُ بِهِ، قَالَ: وَفِي بَعْضِهَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بَعْضِهَا يُسَمِّيهِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْعِلَلَ الْبَارِدَةَ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ بَابِ التَّعَنُّتِ، فَهَبْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ أَفَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ بُطْلَانُ سَائِرِ الْآثَارِ الْمَوْقُوفَةِ وَالْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ، وَنُصُوصِ الْقُرْآنِ وَكَلَامِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا سَتَرَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute