قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَأَمَّا الْمَتْلُوُّ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، قَالَ تَعَالَى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الجاثية: ٢٩] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يُمَثَّلُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَشْفَعُ لِصَاحِبِهِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهُوَ اكْتِسَابُهُ وَفِعْلُهُ، قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧ - ٨] .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: فَالْمَقْرُوءُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي قَالَ لِمُوسَى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: ١٤] إِلَّا الْمُعْتَزِلَةَ فَإِنَّهُمُ ادَّعَوْا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: فَالْقِرَاءَةُ هِيَ التِّلَاوَةُ، وَالتِّلَاوَةُ غَيْرُ الْمَتْلُوِّ، قَالَ وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ " «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ: يَقُولُ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَقُولُ اللَّهُ حَمِدَنِي عَبْدِي. . .» " الْحَدِيثَ، فَالْعَبْدُ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقَةً تَالِيًا لِمَا قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَهَذَا قَوْلُ اللَّهِ الَّذِي قَالَهُ وَتَكَلَّمَ بِهِ مُبْتَدِئًا تَالِيًا وَقَارِئًا، كَمَا هُوَ قَوْلُ الرَّسُولِ مُبَلِّغًا لَهُ وَمُؤَدِّيًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ - قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ - قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ، فَكَانَ قَوْلُهُ تَبْلِيغًا مَحْضًا لِمَا قَالَهُ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ التَّالِيَ وَالْقَارِئَ لَمْ يُقَلْ شَيْئًا فَهُوَ مُكَابِرٌ جَاحِدٌ لِلْحِسِّ وَالضَّرُورَةِ، وَمَنْ عَزَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَقُلْ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي نَقْرَأُهُ وَنَتْلُوهُ بِأَصْوَاتِنَا فَهُوَ مُعَطِّلٌ جَاحِدٌ جَهْمِيٌّ زَاعِمٌ أَنَّ الْقُرْآنَ قَوْلُ الْبَشَرِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ» " فَالْقِرَاءَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ خَلْقِهِ، فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ الْعِبَادُ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ عَلَى لِسَانِ الْعَبْدِ، فَتَكَلَّمَ الْعَبْدُ بِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ اللَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute