" «يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ آزِلِينَ مُشْفِقِينَ فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ " فَتَعَجَّبَ أَبُو رَزِينٍ مِنْ ضَحِكِ الرَّبِّ تَعَالَى وَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيَضْحَكُ الرَّبُّ؟ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ ". فَقَالَ: " لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا» "، وَالْجَهْمِيُّ لَوْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَقَالَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الضَّحِكُ كَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الِاسْتِوَاءُ وَالنُّزُولُ وَالْإِتْيَانُ وَالْمَجِيءُ.
وَكَذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ رُؤْيَةِ الرَّبِّ تَعَالَى فَهِمُوا مِنْهَا رُؤْيَةَ الْعِيَانِ لَا مَزِيدَ الْعِلْمِ، كَمَا اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسَعُ الْخَلَائِقَ وَهُوَ وَاحِدٌ وَنَحْنُ كَثِيرٌ» ؟ وَهَذَا السَّائِلُ أَبُو رَزِينٍ أَيْضًا، فَقَرَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهْمَهُ وَقَالَ: «سَأُخْبِرُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ، أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى الْقَمَرَ مُخْلِيًا بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَاللَّهُ أَكْبَرُ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا أُحِيلُوا فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَعَلَى مَا بَيَّنَهُ لَهُمْ مَنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيَ لَا عَلَى رَأْيِ جَهْمٍ وَجَعْدٍ، وَالنَّظَّامِ وَالْعَلَّافِ وَالْمَرِيسِيِّ وَتَلَامِذَتِهِمْ، وَلَا عَلَى غَيْرِ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى أَفْهَامِهِمْ مِنْ لُغَاتِهِمْ وَخِطَابِهِمْ، كَانَ يُقَرِّرُ لَهُمْ ذَلِكَ وَيُقَرِّبُهُ مِنْ أَفْهَامِهِمْ بِالْأَمْثَالِ وَالْمَقَايِيسِ الْعَقْلِيَّةِ تَقْرِيرًا لِحَقِيقَةِ الصِّفَةِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ سَمِعُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ، وَرَأَوْا مِنْهُ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُشَاهَدَةِ، وَعَلِمُوا بِقُلُوبِهِمْ مِنْ مَقَاصِدِهِ وَدَعْوَتِهِ مَا يُوجِبُ فَهْمَ مَا أَرَادَ بِكَلَامِهِ مَا يَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مُسَاوَاتُهُمْ فِيهِ، فَلَيْسَ مَنْ سَمِعَ وَعَلِمَ وَرَأَى حَالَ الْمُتَكَلِّمِ، كَمَنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَرَ وَلَمْ يَسْمَعْ، أَوْ سَمِعَ وَعَلِمَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ وَسَائِطَ كَثِيرَةٍ، وَإِذَا كَانَ لِلصَّحَابَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ كَانَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ مُتَعَيِّنًا قَطْعًا.
وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا كَانَ اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، كَمَا شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: " مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْقَاطِعَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَائِرِ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الظَّنِّيَّةِ عِنْدَ عَمَى الْقُلُوبِ أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَيْهِمْ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ تَأْوِيلُهُ الصَّحِيحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute