للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ أَبِي يُونُسَ فِي أَوَّلِ الْإِرْشَادِ: وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا، وَنَصَّ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْكِفَايَةِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي كُتُبِهِ الْأُصُولِ كَالتَّبْصِرَةِ وَشَرْحِ اللُّمَعِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا لَفْظُهُ فِي الشَّرْحِ: وَخَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ سَوَاءٌ عَمِلَ بِهِ الْكُلُّ أَوِ الْبَعْضُ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ نِزَاعًا بَيْنَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَصَرَّحَتِ الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ بِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُسْتَفِيضَ يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» " قَالُوا: مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ، قَالُوا: وَنَحْوُهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ، قَالُوا: وَنَحْوُهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ، قَالُوا: وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي إِعْطَاءِ الْجَدَّةِ السُّدُسَ، قَدِ اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَى اسْتِعْمَالِ حُكْمِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ حِينَ سَمِعُوهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِهَا وَسَلَامَتِهَا، وَإِنْ قَدْ خَالَفَ فِيهَا قَوْمٌ فَإِنَّهَا عِنْدَنَا شُذُوذٌ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ.

قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْنَا مَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ مِنَ الْأَخْبَارِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ مُخْبِرِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّا إِذَا وَجَدْنَا السَّلَفَ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِ خَبَرٍ هَذَا وَصْفُهُ مِنْ غَيْرِ تَثْبِيتٍ فِيهِ وَلَا مُعَارَضَةٍ بِالْأُصُولِ أَوْ يُخْبَرُ مِثْلُهُ مَعَ عِلْمِنَا بِمَذَاهِبِهِمْ فِي قَبُولِ الْأَخْبَارِ وَالنَّظَرِ فِيهَا وَعَرْضِهَا عَلَى الْأُصُولِ، دَلَّنَا ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيرُوا إِلَى حُكْمِهِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ صِحَّتُهُ وَاسْتِقَامَتُهُ، فَأَوْجَبَ لَنَا الْعِلْمَ بِصِحَّتِهِ، هَذَا لَفْظُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ فِي كِتَابِهِ أُصُولِ الْفِقْهِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ وَعَقْلٍ مُسْتَقِيمٍ اسْتِفَاضَةُ أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ وَالنِّدَاءِ وَالنُّزُولِ وَالتَّكْلِيمِ وَغَيْرِهَا مِنَ الصِّفَاتِ، وَتَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهَا بِالْقَبُولِ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنِ اسْتِفَاضَةِ حَدِيثِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَحَدِيثِ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَحَدِيثِ فَرْضِ الْجَدَّةِ، بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ اسْتِفَاضَةِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَاسْتِفَاضَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَهَلْ يَسُوغُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ هَذِهِ تُوجِبُ الْعِلْمَ وَتِلْكَ لَا تُوجِبُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاهِتًا.

وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا

<<  <   >  >>