فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافِ مَالِكٍ، وَنَصَرَهُ فِي الرِّسَالَةِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ الَّذِي يُوجِبُهُ نَصُّ الْكِتَابِ وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ لَفْظَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ.
قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ سُنَّةٍ مِنْ خَبَرِ الْخَاصَّةِ الَّذِي قَدْ يَخْتَلِفُ الْخَبَرُ فِيهِ فَيَكُونُ الْخَبَرُ مُحْتَمِلًا لِلتَّأْوِيلِ، وَجَاءَ الْخَبَرُ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الِانْفِرَادِ، فَالْحُجَّةُ فِيهِ عِنْدِي أَنْ يَلْزَمَ الْعَالِمِينَ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُمْ رَدُّ مَا كَانَ مَنْصُوصًا مِنْهُ كَمَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا شَهَادَةَ الْعُدُولِ لَا أَنَّ ذَلِكَ إِحَاطَةٌ كَمَا يَكُونُ نَصُّ الْكِتَابِ وَخَبَرُ الْعَامَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ شَكَّ فِي هَذَا شَاكٌّ لَمْ نَقُلْ لَهُ تُبْ، وَقُلْنَا لَيْسَ لَكَ إِنْ كُنْتَ عَالِمًا أَنْ تَشُكَّ كَمَا لَيْسَ لَكَ إِلَّا أَنْ تَقْضِيَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ وَإِنْ أَمْكَنَ فِيهِمُ الْغَلَطُ، وَلَكِنْ تَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ صِدْقِهِمْ، وَاللَّهُ وَلِيُّ مَا غَابَ عَنْكَ مِنْ ذَلِكَ. اه.
فَهَذَا نَصُّهُ فِي خَبَرٍ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ، وَهَذَا لَا تَنَازُعَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَكَلَامُنَا فِي أَخْبَارٍ تُلُقِّيَتْ بِالْقَبُولِ وَاشْتَهَرَتْ فِي الْأُمَّةِ وَصَرَّحَ بِهَا الْوَاحِدُ بِحَضْرَةِ الْجَمْعِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ، بَلْ قَبِلَهُ السَّامِعُ وَأَثْبَتَ بِهِ صِفَةَ الرَّبِّ تَعَالَى، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ نَفَاهَا، كَمَا أَنْكَرَ جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَنْ نَفَى صِفَاتِ الرَّبِّ الْخَبَرِيَّةَ وَنَسَبُوهُ إِلَى الْبِدْعَةِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْأَخِيرِ فَقَالَ: فَقُلْتُ لَهُ يَعْنِي مَنْ يُنَاظِرُهُ أَرَأَيْتَ إِنْ قَالَ لَكَ قَائِلٌ: أَتَّهِمُ جَمِيعَ مَا رَوَيْتَ عَمَّنْ رَوَيْتَهُ عَنْهُ، فَإِنِّي أَخَافُ غَلَطَ كُلِّ مُحَدِّثٍ عَنْهُمْ عَمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ إِذَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّهَمَ حَدِيثُ أَهْلِ الثِّقَةِ، قُلْتُ: فَهَلْ رَوَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: وَمَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنَّمَا عَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ بِصِدْقِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَنَا وَعَلِمْنَا أَنَّ مَنْ سَمَّيْنَا قَوْلَهُ بِحَدِيثٍ وَاحِدٍ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَعِلْمُنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ عِلْمُنَا بِأَنَّ مَنْ سَمَّيْنَاهُ قَالَهُ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ فَإِذَا اسْتَوَى الْعِلْمَانِ مِنْ خَبَرِ الصَّادِقِ فَأَوْلَى بِنَا أَنْ نُصَيِّرَ إِلَيْهِ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَأْخُذَ بِهِ أَوِ الْخَبَرِ عَمَّنْ دُونَهُ، قَالَ: بَلِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ ثَبَتَ، قُلْتُ: ثُبُوتُهُمَا وَاحِدٌ، قَالَ: فَالْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِنَا أَنْ نَصِيرَ إِلَيْهِ، وَإِنْ أَدْخَلْتُمْ عَلَى الْمُخْبِرِينَ عَنْهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِمُ الْغَلَطُ دَخَلَ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ حَدِيثٍ رُوِيَ مُخَالِفَ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ قُلْتَ: نُثْبِتُ بِخَبَرِ الصَّادِقِينَ) فَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى عِنْدَنَا أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute