للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَعَلَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ مِنْ وَاهِمٍ وُهِمَ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ، فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَلِكَ، بَلِ الْمَرْوِيُّ الصَّحِيحُ عَنْهُ أَنَّهُ جَزَمَ عَلَى الشَّهَادَةِ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ، وَالْخَبَرُ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَلَعَلَّ تَوَقُّفَهُ عَنِ الشَّهَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ، فَكَانَ يَجْزِمُ بِتَحْرِيمِ أَشْيَاءَ، وَيَتَوَقَّفُ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ تَحْرِيمٍ عَلَيْهَا، وَيَجْزِمُ بِتَحْرِيمِ أَشْيَاءَ وَيَتَوَقَّفُ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا تَوَرُّعًا، بَلْ يَقُولُ: أَكْرَهُ كَذَا وَأَسْتَحِبُّ كَذَا، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أَجْوِبَتِهِ.

وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ: وَلَا نَشْهَدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ فِي النَّارِ لِذَنْبٍ عَمِلَهُ وَلَا لِكَبِيرَةٍ أَتَاهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ فَنُصَدِّقَهُ وَنَعْلَمَ أَنَّهُ كَمَا جَاءَ وَلَا نَنُصَّ الشَّهَادَةَ، وَلَا نَشْهَدُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ لِصَالِحٍ عَمِلَهُ وَلِخَيْرٍ أَتَاهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ فَنَقْبَلَهُ كَمَا جَاءَ عَلَى مَا رُوِيَ وَلَا نَنُصَّ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَا نَنُصُّ الشَّهَادَةَ، مَعْنَاهُ عِنْدِي وَلَا نَقْطَعَ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: لَفْظُ " نَنُصَّ " هُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ لَا نَشْهَدُ عَلَى الْمُعَيَّنِ، وَإِلَّا فَقَدَ قَالَ: نَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا جَاءَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَشْهَدُ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ، وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ أَشْهَدُ وَأَعْلَمُ وَاحِدٌ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَشْهَدُ بِمُوجَبِ خَبَرِ وَاحِدٍ، وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ.

قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ يَقُولُونَ: أَخْبَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُفِيدُ الْعِلْمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣] .

وَقَالَ تَعَالَى آمِرًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: ٥٠] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] قَالُوا: فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ كُلِّهِ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَكُلُّ وَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ ذِكْرٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء: ١١٣] فَالْكِتَابُ الْقُرْآنُ، وَالْحِكْمَةُ السُّنَّةُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» " فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُوتِيَ السُّنَّةَ كَمَا أُوتِيَ الْكِتَابَ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ضَمِنَ حِفْظَ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ لِيُقِيمَ بِهِ حُجَّتَهُ عَلَى الْعِبَادِ

<<  <   >  >>