للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُنْسَخْ، قُلْنَا لَهُمْ: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْحِفْظِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ تُجِيزُوا تَمَامَ الْحِفْظِ لِلشَّرِيعَةِ مِنْ أَنْ لَا يَخْتَلِطَ بِهَا بَاطِلٌ لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِهِ قَطُّ اخْتِلَاطًا لَا يَتَمَيَّزُ مَعَهُ الْحَقُّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْ بِهِ قَطُّ، وَهَذَا لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ مَنَعَ مِنْ سُقُوطِ شَرِيعَةِ حَقٍّ أَوْ أَجَازَ اخْتِلَاطَهَا بِالْبَاطِلِ، وَبَيْنَ مَنْ مَنَعَ مِنِ اخْتِلَاطِ الْحَقِّ فِي شَرِيعَةٍ بِالْبَاطِلِ، وَأَجَازَ سُقُوطَ شَرِيعَةِ حَقٍّ، وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ الْبَتَّةَ وَمُمْتَنِعٌ، قَدْ أَمِنَّا كَوْنَهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَإِذَا صَحَّ هَذَا فَقَدَ ثَبَتَ يَقِينًا أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ عَنْ مِثْلِهِ مُبَلِّغًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَقٍّ مَقْطُوعٍ بِهِ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا، قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧] فَنَسْأَلُهُمْ هَلْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أَمْ لَمْ يُبَيِّنْ، وَهَلْ بَلَّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ أَمْ لَمْ يُبَلِّغْ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: فَمِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ بَلَّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ بَلَّغَهُ، فَنَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ التَّبْلِيغِ وَذَلِكَ الْبَيَانِ، أَهُمَا بَاقِيَانِ عِنْدَنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَمْ هُمْ غَيْرُ بَاقِيَيْنِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُمَا بَاقِيَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، رَجَعُوا إِلَى قَوْلِنَا وَأَقَرُّوا أَنَّ الْحَقَّ مِنْ كُلِّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الدِّينِ مُبَيَّنٌ مِمَّا لَمْ يُنْزِلْهُ، مُبَلَّغٌ إِلَيْنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا فِي أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مِثْلُهُ مُسْنَدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ مَقْطُوعٌ بِغَيْبِهِ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُمَا غَيْرُ بَاقِيَيْنِ، دَخَلُوا فِي عَظِيمَةٍ وَقَطَعُوا بِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الدِّينِ قَدْ بَطَلَ، وَأَنَّ التَّبْلِيغَ قَدْ سَقَطَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَأَنَّ بَيَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَثِيرَ مِنَ الدِّينِ قَدْ ذَهَبَ ذَهَابًا لَا يُوجَدُ مَعَهُ أَبَدًا، وَهَذَا قَوْلُ الرَّافِضَةِ، بَلْ شَرٌّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرَّافِضَةَ ادَّعَتْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدِّينِ مَوْجُودَةٌ عِنْدَ إِنْسَانٍ مَضْمُونٍ كَوْنُهُ فِي الْعِلْمِ، وَهَؤُلَاءِ أَبْطَلُوهُ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ كِلَا الْقَوْلَيْنِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} [الأعراف: ٣٣] إِلَى قَوْلِهِ: {مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: ٢٣] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨] وَقَالَ تَعَالَى ذَامًّا

<<  <   >  >>