للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِقَوْمٍ فِي قَوْلِهِمْ {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا - وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: ٣٢ - ١٤٨] وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْنَا الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ عَنْ مِثْلِهِ مُبَلِّغًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ نَقُولَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَنَهَى عَنْ كَذَا وَفَعَلَ كَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْقَوْلَ فِي دِينِهِ بِالظَّنِّ وَحَرَّمَ عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ إِلَّا بِعِلْمٍ، فَلَوْ كَانَ لِخَبَرِ الْمَذْكُورِ يَجُوزُ فِيهِ الْكَذِبُ أَوِ الْوَهْمُ لَكَانَ قَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَا نَعْلَمُ، وَلَكَانَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْنَا الْحُكْمَ فِي الدِّينِ بِالظَّنِّ الَّذِي لَا نَتَيَقَّنُهُ، وَالَّذِي هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا يُغْنِي عَنِ الْحَقِّ شَيْئًا، وَالَّذِي هُوَ غَيْرُ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهَذَا هُوَ الْإِفْكُ وَالْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ وَالَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ بِهِ.

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ حَقٌّ مَقْطُوعٌ عَلَى غَيْبِهِ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ مَعًا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، فَصَارَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ بِإِيجَابِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ ظَنٌّ لَا يَقْطَعُ بِصِحَّةِ غَيْبِهِ وَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ قَائِلًا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَبَّدَنَا بِأَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ لَنَا بِهِ عِلْمٌ، وَأَنْ نَحْكُمَ فِي دِينِنَا بِالظَّنِّ الَّذِي قَدْ حُرِّمَ عَلَيْنَا أَنْ نَحْكُمَ بِهِ فِي الدِّينِ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩] فَنَقُولُ لِمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ مِنْ بَيَانِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَحْفُوظٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّبْدِيلُ، وَأَنْ يَخْتَلِطَ بِالْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ اخْتِلَاطًا لَا يَتَمَيَّزُ أَبَدًا، أَخْبِرُونَا عَنْ إِكْمَالِ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا دِينَنَا وَرِضَاهُ الْإِسْلَامَ لَنَا دِينًا وَمَنْعِهِ مِنْ قَبُولِ كُلِّ دِينٍ سِوَى الْإِسْلَامِ، أَكُلُّ ذَلِكَ بَاقٍ عَلَيْنَا وَلَنَا وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَمْ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَطْ، أَوْ لَا لِلصَّحَابَةِ وَلَا لَنَا؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ.

فَإِنْ قَالُوا: لَا لِلصَّحَابَةِ وَلَا لَنَا، كَانَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ كَافِرًا لِتَكْذِيبِهِ اللَّهَ جِهَارًا وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ كُلُّ ذَلِكَ بَاقٍ لَنَا وَعَلَيْنَا وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، صَارُوا إِلَى قَوْلِنَا ضَرُورَةً، وَصَحَّ أَنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلَّهَا كَامِلَةٌ وَالنِّعْمَةَ بِذَلِكَ عَلَيْنَا تَامَّةٌ، وَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَلْزَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى اتِّبَاعَهُ، لِأَنَّهُ هُوَ الدِّينُ عِنْدَهُ مُتَمَيِّزٌ مِنْ غَيْرِهِ، قَدْ هَدَانَا

<<  <   >  >>