مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَاجِبِهَا وَحَرَامِهَا وَحَلَالِهَا، فَإِنَّهُ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: ٤٣] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ - لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: ٣٤ - ١١٥] فَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ الَّذِينَ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا قَبُولَ نَقْلِهِمْ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْقَوْلَ بِأَنَّهُ سُنَّةُ اللَّهِ وَبَيَانُ نَبِيِّهِ يُمْكِنُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ التَّحْوِيلُ أَوِ التَّبْدِيلُ لَكَانَ إِخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهَا تَبْدِيلٌ وَلَا تَحْوِيلٌ كَذِبًا، وَهَذَا لَا يُجِيزُهُ مُسْلِمٌ أَصْلًا، فَصَحَّ يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ كُلَّ سُنَّةٍ سَنَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ وَسَنَّهَا رَسُولُهُ لِأُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا تَبْدِيلٌ وَلَا تَحْوِيلٌ أَبَدًا، وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ نَقْلَ الثِّقَاتِ فِي الدِّينِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ حَقٌّ كَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ اللَّهِ فِي الْبَلَاغِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَعَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ مَعْصُومًا فِي تَبْلِيغِهِ إِلَيْنَا وَنَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنِ الْفَضِيلَةِ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغِهِ الشَّرِيعَةَ الَّتِي بُعِثَ بِهَا أَهِيَ لَهُ فِي إِخْبَارِهِ الصَّحَابَةَ بِذَلِكَ فَقَطْ أَمْ هِيَ بَاقِيَةٌ لِمَا أَتَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُلُوغِهِ إِلَيْنَا وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ هِيَ لَهُ مَعَ مَنْ شَاهَدَهُ خَاصَّةً لَا فِي بُلُوغِ الدِّينِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، قُلْنَا لَهُمْ: إِذًا قَدْ جَوَّزْتُمْ بُطْلَانَ الْعِصْمَةِ فِي تَبْلِيغِ الدِّينِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَجَوَّزْتُمْ وُجُودَ الدَّاخِلَةِ وَالْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالتَّحْرِيفِ فِي الدِّينِ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا جَوَّزْتُمْ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَهُ وَبَيْنَ مَا مَنَعْتُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ؟ ، فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُ يَكُونُ غَيْرَ مُبَلِّغٍ لِمَا أُمِرَ بِهِ وَلَا مَعْصُومٍ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧] الْآيَةَ (قِيلَ) : نَعَمْ وَهَذَا التَّبْلِيغُ الْمُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَعْصُومٌ فِيهِ بِإِجْمَاعِكُمْ مَعَنَا مِنَ الْكَذِبِ وَالْوَهْمِ هُوَ إِلَيْنَا كَمَا هُوَ إِلَى الصَّحَابَةِ وَلَا فَرْقَ، وَالدِّينُ لَازِمٌ لَنَا كَمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُمْ سَوَاءً، فَالْعِصْمَةُ وَاجِبَةٌ فِي التَّبْلِيغِ لِلدِّيَانَةِ بَاقِيَةٌ مَضْمُونَةٌ وَلَا بُدَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْحُجَّةُ قَائِمَةٌ بِالدِّينِ عَلَيْنَا وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا كَانَتْ قَائِمَةً عَلَى الصَّحَابَةِ سَوَاءً، وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَقَدَ قَطَعَ بِأَنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ غَيْرُ قَائِمَةٍ، وَالْحُجَّةُ لَا تَقُومُ بِمَا لَا يُدْرَى أَحَقٌّ هُوَ أَمْ كَذِبٌ.
ثُمَّ نَقُولُ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute