للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣] ، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥] ، {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦] وَإِنِ ادَّعَوْا إِجْمَاعًا، قِيلَ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَعْصُومٍ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يُعَدُّ فِي الْإِجْمَاعِ (قُلْنَا لَهُمْ) : صَدَقْتُمْ وَلَا يُعَدُّ فِي الْإِجْمَاعِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الدِّينَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الشَّرَائِعِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَطَلَتْ وَاخْتَلَطَتْ بِالْبَاطِلِ الْمَوْضُوعِ وَالْمَوْهُومِ فِيهِ اخْتِلَاطًا لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ وَلَا دِينُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ دِينِ إِبْلِيسَ.

(وَإِنْ قَالُوا) : إِنَّ الْفَضِيلَةَ بِعِصْمَةِ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدِّينِ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، صَارُوا إِلَى الْحَقِّ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

(فَإِنْ قَالُوا) : إِنَّ صِفَةَ كُلِّ مُخْبِرٍ وَطَبِيعَتَهُ أَنَّ خَبَرَهُ يَجُوزُ فِيهِ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ وَالْخَطَأُ، وَقَوْلُكُمْ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي الشَّرِيعَةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ إِحَالَةُ الطَّبِيعَةِ وَخَرْقُ الْعَادَةِ فِيهِ.

قُلْنَا: لَا يُنْكَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِحَالَةُ مَا شَاءَ مِنَ الطَّبَائِعِ إِذَا صَحَّ الْبُرْهَانُ بِهِ، فَالْعَجَبُ مِنْ إِنْكَارِكُمْ هَذَا مَعَ قَوْلِكُمْ بِهِ بِعَيْنِهِ فِي إِيَجَابِكُمْ عِصْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَذِبِ وَالْوَهْمِ فِي تَبْلِيغِهِ الشَّرِيعَةَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ بِعَيْنِهِ، بَلْ لَمْ تَقْنَعُوا بِالتَّنَاقُضِ إِذَا أَصَبْتُمْ فِي ذَلِكَ وَأَخْطَأْتُمْ فِي مَنْعِكُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ حَتَّى أَتَيْتُمْ بِالْبَاطِلِ الْمَحْضِ، إِذْ جَوَّزْتُمْ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ مُوَافَقَةَ الْخَطَأِ فِي إِجْمَاعِهَا فِي رَأْيِهَا، وَذَلِكَ طَبِيعَةٌ فِي الْكُلِّ وَصِفَةٌ لَهُمْ، وَمَنَعْتُمْ مِنْ جَوَازِ الْخَطَأِ وَالْوَهْمِ عَلَى مَا ادَّعَيْتُمُوهُ مِنْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً فِي اجْتِهَادِهَا فِي الْقِيَاسِ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى الْبَاطِلِ وَالْقِيَاسُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، فَخَرَقْتُمْ بِذَلِكَ الْعَادَةَ وَأَحَلْتُمُ الطَّبَائِعَ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُخَالِفُ لَنَا مِنَ الْمُرْجِئَةِ الْقَاطِعِينَ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ يَعْرِفُ بِقَلْبِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَقٌّ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَحَالُوا الطَّبَائِعَ بِلَا بُرْهَانٍ وَمَنَعُوا مِنْ إِحَالَتِهَا إِذَا قَامَ الْبُرْهَانُ بِإِحَالَتِهَا.

فَإِنْ قَالُوا: إِنَّهُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا إِنَّ نَقَلَةَ الْأَخْبَارِ الَّتِي قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومُونَ فِي نَقْلِهَا وَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَعْصُومٌ فِي نَقْلِهِ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَوُقُوعِ الْوَهْمِ مِنْهُ.

قُلْنَا لَهُمْ: نَعَمْ هَكَذَا نَقُولُ وَبِهِ نَقْطَعُ، وَكُلُّ عَدْلٍ رَوَى خَبَرًا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <   >  >>