للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي الدِّينِ فَذَلِكَ الرَّاوِي مَعْصُومٌ فِيهِ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ، مَقْطُوعٌ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ، وَمِنْ جَوَازِ الْوَهْمِ فِيهِ إِلَّا بِبَيَانٍ وَارِدٍ وَلَا بُدَّ مِنَ اللَّهِ بِبَيَانِ مَا وَهِمَ فِيهِ كَمَا فَعَلَ سُبْحَانَهُ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَمِنْ ثَلَاثٍ وَاهِمًا لِقِيَامِ الْبَرَاهِينِ الَّتِي قَدَّمْنَا مِنْ حِفْظِ جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ مِمَّا لَيْسَ مِنْهَا.

قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ حَقٌّ فِي الْخَبَرِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ عَمَلًا وَاعْتِقَادًا دُونَ الْغَرِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ.

(قَالَ ابْنُ حَزْمٍ) : فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تَعَبَّدَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: " «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي خَيْرًا» ".

قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا مِنَ الْحُكْمِ فِي الدِّينِ بِالظَّنِّ فِي شَيْءٍ بَلْ كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْإِيجَابِ مَا لَا نَعْلَمُ، وَبَيَّنَ لَنَا كُلَّ مَا أَلْزَمَنَا مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِكُلِّ ذَلِكَ كَمَا وَجَبَ الْقَطْعُ بِتَخْلِيدِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ، وَتَخْلِيدِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا فَرْقَ، وَلَمْ يَجُزِ الْقَوْلُ بِالظَّنِّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.

فَإِنْ قَالُوا: أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِمَا شَهِدَ بِهِ الْعَدْلُ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ وَبِمَا شَهِدَ بِهِ الْعَدْلَانِ فَصَاعِدًا، وَبِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَقُمْ بِالْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فِي إِبَاحَةِ الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْأَبْشَارِ وَالْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمْ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ وَحَلَفَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ بِالظَّنِّ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ عَلَيْنَا قَوْلَهُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ.

قُلْنَا لَهُمْ: وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ: بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فُرُوقٌ وَاضِحَةٌ كَالشَّمْسِ:

أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ بِحِفْظِ الدِّينِ وَإِكْمَالِهِ وَتَبْيِينِهِ مِنَ الْغَيِّ وَمِمَّا لَيْسَ مِنْهُ وَلَمْ يَتَكَفَّلْ تَعَالَى بِحِفْظِ دِمَائِنَا وَلَا بِحِفْظِ فُرُوجِنَا وَلَا بِحِفْظِ أَبْشَارِنَا وَأَمْوَالِنَا فِي الدُّنْيَا، بَلْ قَدَّرَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ: " «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ

<<  <   >  >>