وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَاتُ الْحُفَّاظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا، لَا يُدْرَى هَلْ هِيَ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَتْ بَاطِلًا أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا وَجَبَ اطِّرَاحُهَا وَأَنْ لَا يُلْتَفَتَ إِلَيْهَا وَهَذَا انْسِلَاخٌ مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا فَيَجِبُ الشَّهَادَةُ بِهَا عَلَى الْبَتِّ أَنَّهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ شَاهِدًا بِالْحَقِّ وَهُوَ يَعْلَمُ صِحَّةَ الْمَشْهُودِ بِهِ.
الدَّلِيلُ الْعَاشِرُ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِثْلِهَا " فَاشْهَدُوا " أَشَارَ إِلَى الشَّمْسِ وَلَمْ يَزَلِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَطْعِ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَأَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ وَفَعَلَهُ لَمَّا بَلَّغَهُمْ إِيَّاهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَيَقُولُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا، وَحَرَّمَ كَذَا وَأَبَاحَ كَذَا، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ جَازِمَةٌ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ كَالشَّمْسِ فِي الْوُضُوحِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ الْتِفَاتٌ إِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتِنَاءٌ بِهَا يَشْهَدُ شَهَادَةً جَازِمَةً أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ عِيَانًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ يَدْخُلُونَ النَّارَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ، وَتَكْلِيمَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، إِلَى أَضْعَافِ أَضْعَافِ ذَلِكَ، بَلْ يَشْهَدُ بِكُلِّ خَبَرٍ صَحِيحٍ مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ لَمْ يُنْكِرْهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ شَهَادَةً لَا يَشُكُّ فِيهَا.
الدَّلِيلُ الْحَادِيَ عَشَرَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرُونَ لِإِفَادَةِ أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلْمَ يَشْهَدُونَ شَهَادَةً جَازِمَةً قَاطِعَةً عَلَى أَئِمَّتِهِمْ بِمَذَاهِبِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا، وَلَوْ قِيلَ إِنَّهَا لَمْ تَصِحَّ عَنْهُمْ لَأَنْكَرُوا ذَلِكَ غَايَةَ الْإِنْكَارِ، وَتَعَجَّبُوا مِنْ جَهْلِ قَائِلِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تِلْكَ الْمَذَاهِبَ لَمْ يَرْوِهَا عَنْهُمْ إِلَّا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَنَحْوُهُمْ، وَلَمْ يَرْوِهَا عَنْهُمْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ يَقِينًا.
فَكَيْفَ يَحْصُلُ لَهُمُ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ وَالْمُقَارِبُ لِلضَّرُورِيِّ بِأَنَّ أَئِمَّتَهُمْ وَمَنْ قَلَّدُوهُمْ دِينَهُمْ أَفْتَوْا بِكَذَا وَذَهَبُوا إِلَى كَذَا، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِمَا رَوَاهُ عَنْهُمُ التَّابِعُونَ وَشَاعَ فِي الْأُمَّةِ وَذَاعَ، وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَتَنَوَّعَتْ، وَكَانَ حِرْصُهُ عَلَيْهِ أَعْظَمَ بِكَثِيرٍ مِنْ حِرْصِ أُولَئِكَ عَلَى أَقْوَالِ مَتْبُوعِيهِمْ؟ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ الْعُجَابُ.
وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسُهُ دَلِيلًا يَلْزَمُهُمْ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقُولُوا أَخْبَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَتَاوَاهُ وَأَقْضِيَتُهُ تُفِيدُ الْعِلْمَ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا إِنَّهُمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِصِحَّةِ شَيْءٍ مِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute